ويبتسم ابتساماً يدل على أن لديه أشياء كثيرة، لكنه يود إخفاءها عنا. فلما قطعنا الأمل من إفشائه سر الورقة وأخبار النزهة عاد كل منا إلى مكانه وأقبل على عمله. أخذت ألاحظه ملاحظة خفيفة فرأيته بين آونة وأخرى يستتر خلف دفتره الذي أمامه ويفتح محفظته ويلقي على ما فيها نظرة تنم عن غبطة وسرور. ثم رأيت ورقة (زرقاء) بجانب (الحمراء)، فقلت له وهو يلقي خلسة نظرته المعتادة على ما في محفظته:
- أراك تهئ نزهة أخرى في (كاغدخانه)؟
فأجابني ضاحكاً:
- ربما. . .
بعد هذا الأسبوع أصبح رفيقي ينتحل أسباباً يسمح له معها الرئيس بالتغيب أيام الجمع، فكان يذهب إلى منتزه (كاغدخانه) يقضي أيام الأحد والجمع هناك، ولكنه خلافاً لعاداته لا يقص علينا أخبار نزهاته ورياضته. كنت ألاحظه دائماً من حيث لا يشعر بي، فرأيت محفظته قد امتلأت بالأوراق (البنفسجية والخضراء، والصفراء) بجانب (الزرقاء والحمراء). فقلت في نفسي، كأن رفيقي يستعرض الألوان متخيراً، وسنرى أي لون يختاره في النهاية ويستقر عليه رأيه. وبعد مدة علمنا اللون الذي وقع عليه اختياره. . . .
جاءنا في صباح يوم بادي القلق ظاهر الاضطراب، فأخذ يذرع الغرفة جيئة وذهاباً يحاول أن يتكلم ويفضي إلينا بشيء ولكنه لا يقدر، ثم نظر إلى وجه كل واحد على حدة وقال:
- سأقول لكم شيئاً
حولنا جميعاً أنظارنا إليه، وكنت واثقاً أن ما سيقوله يتعلق بالأوراق الملونة التي في محفظته وقال:
- سأتزوج. . .
فصعقنا لهذه الكلمة كأنها قنبلة سقطت علينا من السقف، واستتلى فقال بكل جد:
- سئمت هذه الحياة، حياة الوحدة، وعزمت على أن أستريح، إن ملازمة غرفة البيت والاشتغال بالعيال والأطفال خير من قضاء الليالي الطوال في أماكن اللهو ومحال الفجور. فقلت له: