- أن مسألة الأطفال مسألة ثانية، والمهم الآن أن نعرف من هم العيال؟
فأجابني بكل جد:
- إنها موافقة لي تمام الموافقة، إنها ليست غنية، وأنا لست من طلاب الغنى في الزواج، ستأتيني بثيابها فقط، إن والدي مازال يشكو من الوحدة بعد وفاة والدتي، ويقول إن كل بيت يحتاج إلى امرأة، فسأسبقه وأتزوج قبله، هذا كل ما هنالك.
فقلت له:
- لابد من صلة متينة بين هذا الزواج وبين الأوراق الملونة؟
فلم بصدق ما قلت ولا أنكر ما ادعيت، أنه سكت، وكيف ينكر ما لا يقبل الإنكار؟ سمعنا هذا منه وسكتنا، ولم يظهر بيننا من يخالفه في رأيه الذي أعتزم عليه، ولا يقول له: إن الإقدام على الزواج مع مرتب ضئيل لا يتجاوز الأربعة دنانير كل شهر، لا يدل على رأي حسن وفكر مستقيم، وأن الزواج لو كان يترتب على كل رؤية يعقبها ميل لكان الزواج عبارة عن سلسلة لها أول وليس لها آخر
كان العقد وكان الزفاف، وكانت الحفلات الشائقة التي نعمنا فيها بنعيم صديقنا. وبعد غياب أسبوع عاد إلى عمله وأول كلمة قالها هي:
- إني سعيد. . .
نعم كان سعيداً. . . كنا نعرف ذلك من الطيش الذي أظهره باستدانته من هنا وهناك نقوداً أنفقها في حفلات العرس. كنا نتحقق سعادته حينما نرى الصيارفة عند باب الدائرة في أكثر الأحيان. . . وحينما نراه يوم أخذ المرتب غارقاً يفكر وقلمه بيده يكتب أعداد ويمحو أخرى. . . لم نره مسروراً إلا أسبوعاً واحداً فقط. ثم جعلت ألاحظ أن خطوط الهم والتفكير أخذت تظهر على جبينه، ولكنه مع ذلك كان بين آونة وأخرى يقول لنا:
- إنني سعيد. . . كأنه يحاول بذلك أن يخدع نفسه، أو كأنه يريد أن يخدعنا
سمعته في أحد الأيام وقد أخذ الموظفون يستعدون للذهاب إلى منازلهم للغداء يقول:
- إني اليوم أشعر بفتور في جسمي لا أقدر معه على الذهاب إلى البيت للطعام، لذلك سأبقى هنا وسأتناول شيئاً من الخبز والجبن. وفي اليوم الثاني أتى بعلبة صغيرة ووضعها في درج مكتبه ثم أخرجها عند الظهر وقال: