للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد تأثر الإنكليز بهذا المذهب فساروا في أخلاقهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم على أساس (النفعية) وسايروا ميولهم وغرائزهم وكيفوا أخلاقهم عليها، فكان هذا الطابع الذي تميز به الإنكليز على سواهم وهو (مصلحة بريطانيا فوق كل المصالح) حتى ولو كان في ذلك الأضرار بالناس والاستهتار بحقوق الشعوب والاستهانة بالمكرمات.

ولهذا لم يعد مجال للدهشة أو العجب من الخلق الإنكليزي ومن تسييره في الطرق المؤدية إلى المصلحة الذاتية أو الخاصة، ولا من عدم تقدم الضمير البريطاني على الرغم من التقدم الكبير الذي أصابه الإنكليز في سائر ميادين الحياة. فسياسة الإنكليز الخارجية واتجاهاتهم الخلقية تتحرك كلها في دائرة النفعية والاستغلال. وهم ينظرون إلى حقوق الشعوب الأخرى ومصالحها وإلى الإنسانية من زوايا مصالحهم ومنافعهم. وقد نجحت هذه السياسة وهذا السلوك بعض الوقت في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، ولكن بعد أن تقدم العلم هذا التقدم العجيب وبعد أن استيقظت الشعوب فهبت من غفلتها أصبح من المستحيل على بريطانيا أن تنجح في أساليبها وخططها الاستغلالية.

وهذا ما يجب أن يدركه الإنكليز حكومة وشعبا.

ويقولون أن العقلية البريطانية تمتاز (بالمرونة)، ولكنها (كما يبدو لي) مرونة بطيئة جامدة لا تساير روح العصر ولا تتحرك في إطار التقدمية. وعلى ذلك فقد فشلت السياسة البريطانية في الشرق في هذه الأيام، فتتابعت عليها النكسات مما يهدد مصالحها ويؤدي إلى القضاء على نفوذها وهيبتها.

قدري حافظ طوقان

<<  <  ج:
ص:  >  >>