للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإشارات ما يريحه ويرضيه. . ولكنه وجدهم جميعاً على قلب رجل واحد؛ فصاح فيهم حانقاً، وتنور غيظه يفور، وطردهم من مجلسه شر طردة؛ وهنا يبدأ الدور الرابع من هذه الرواية.

لم يستجيب السلطان الغوري لغير ضميره، وغير صوت العدالة التي رآها. فبدأ بعزل الدميري قاضي قضاة المالكية. وحرم أبن أبي شريف من مشيخة مدرسة السلطان ونفاه إلى القدس. أما قاضي قضاة الحنفية عبد البر بن الشحنة، الذي كان من السلطان بمنزلة جعفر البرمكي من هارون الرشيد، فقد كاد يبطش به، ولفظه من صحبته. . . ثم أقال القضاة جميعاً من مناصبهم. وقبض على القاضي شمس الدين الزنكلوني، مبتدع الفتوى، وقال له: (فليبطل حكمي، وليقض بحكمه) وأمر ببطحه بين يديه أرضاً فضرب نحو ألف عصا. وضرب ولداه كذلك نحو ستمائة عصا، إذ كانا يسعيان فيما يسعى إليه أبوهما. ونفاهم السلطان، فخرجوا هائمين على دوابهم، والدماء تسيل من أبدانهم. . . ثم أشيع أن الزنكلوني مات من هول ما أصيب به.

وأشتد حنق السلطان على الفقهاء، حتى أمر والي القاهرة بأن يقبض على كل من رآه منهم سكران، ورصد له خلعة معنية وفرساً مسرجاً جائزة له إذا قبض على واحد منهم. وحرم على المباشرين المتعممين أن يدخلوا عليه فكانوا يحتالون على ذلك، بلبس تخافيف الجراكسة.

أما المذنبان فقد أمر السلطان بشنقهما على باب بيت القاضي أبن أبي شريف مبالغة في النكاية به. فلما نصبت المشنقة على بابه - وكان منفياً - ظن أبناؤه وأسرته أنه هو الذي سيشنق فأعولوا وأشتد بكاؤهم عليه.

أجتمع الناس في ذلك الصباح الباكر، وجيء بالرجل والمرأة ووضعا مما لوجه، وشنقا بحبل واحد. . . وأرخى الستار

انتهى شهاب الدين الشاعر من قصته، وإخوانه بين معجب به ومعجب بالسلطان، وبين ناقم عليه أو متحير في أمره. وكانت هذه القصة محوراً لأحاديث طريفة دارت كئوسها بينهم حواراً وجدلاً، حتى أتموا سمرهم، وحان موعد انصرافهم، فانصرفوا - كعادتهم - على ميعاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>