واشقيقاه مات في عمر الورد ... غضير الصبي نضير الإهاب
أين منى أخي؟ فلي الله ما ... خلاه عني ما عاقه عن جوابي
حر قلبي (لجعفر وغريب) ... وهما يرقبان يوم الإياب
كلما استشعروا إليك حنينا ... هاج في الصدر من طويل الغياب
هتفا باسمك الحبيب وباتا ... رهن هم ووحشة واغتراب
ويدعوا الشاعرة فقد أخيها إلى أن تسأل القدر عما وراء الغيب وعن عالم صار إليه أخوها. وقد سأل قبلها الشعراء عن هذا المصير فما أجابهم إلا صدى يرن في ظلمات العدم فتقول:
ليت شعري ما عالم صرت فيه ... عن عيون الأحياء خلف حجاب
أهو شط الأمان للنفس بعد الخوض ... في مزيدات طامى العباب
ويمر عام تزداد فيه هواجس الشاعرة وتستبد فيها شجونها فتقول:
لا كان عام ظللت يا سكني ... فيه وراء الحياة والزمن
مستوحشا في الضريح منفردا ... مرتهنا بالتراب والكفن
لو أنني قمت بالوفاء أخي ... ما ظل روحي يجول في بدني
لقد بكر الحزن في فدوى وطغى، فقالت فيه أكثر شعرها قبل أن يكون منها شعر من ضرب آخر، بل كان هذا الحزن مثيرا لآلامها وهمومها التي لونت حسها وخيالها بتلاوين الوحشة والكآبة وجعلتها تقول الشعر عن نفسها وتصويرا لهواجسها، فكانت مراثيها شجوا ودمعا، ثم ظهرت قصيدتها (خريف ومساء) مواجة بالحيرة والزهادة.
ويمسح الزمن بعد حين بيده السحرية على وجوم فدوى ووجدها وتتصدى لها رسالة الشعر فتناغيها وتناجيها، وتهدد مواجها بالرجاء والعزاء، وتستجيب لها الشاعرة فتحاول الخروج من هيكلها القائم الذي طال وقوفها فيه بين الحسرات والزفرات.
كان صنع الشاعرة الطوقانية وهي تنفلت من شجوها كصنع الناسك القديس الذي يترك محرابه للتطوف في حديقة أو رحبة ناسيا ركعاته الطوال أمام المذبح، أو كما فعل الناسك الذي صوره اندريه جيد في السمفونية الرعائية. والشاعرة السادرة في تفلتها حينا بعد حين من حزنها تتخفف من السواد الذي كان عالقا بألفاظها ومعانيها، فتؤثر التأمل وتلتمس الفلسفة في الشعر الذي سارت به على غرار الأوائل. وكنت أتمنى لو انفردت فدوى