بلمعات خاصة كالتي ظهرت في شعرها الأخير حين رمت بطرفها على شاطئ الوجود.
أما أنوثة الشاعرة فأمر لا ينبغي أن يغيب في دراسة الأدب المعاصر، وفي هذه المرحلة من التحليل النفسي الحديث، الذي يتناوله نقاد الأدب في الغرب على نحو من التصريح لا التلميح، ولم يتهيب الكلام نقادنا القدامى حين حللوا شعر النساء وأولوا لفظه ومعناه. فكأي من شاعرة أو مغنية في العصرين العباسي والأندلسي كانت تعرب عن شكواها وجواها ولا ترى حرجا في أن تتدله أو تتغزل. ولا أدري ما يحول بين ناقد الأدب المعاصر وبين تحليله شعر المرأة والمضي وراء مراميها إلى حيث ترف أجنحتها الشعرية في آفاقها البعيدة؟
على أن السائد من تقاليدنا ما يزال يجعلنا متحفظين متحرزين في التعبير عن حقيقة إحساسنا ومنازعنا، فلا الشاعرة ولا الأدبية تستطيع مع هذا التحرج أن تصور هواجسها وخلجات قلبها، ولا الناقد يستطيع النفوذ إلى ما وراء الكلام، ولهذا فإني حين نظرت إلى طائفة من شعر فدوى قالت أكثره في التعبير العاطفي والشوق المقيد والقلق المستمد عزوته إلى هذا التحفظ النسوي. غير أن فدوى إذا قيست بشاعراتنا المعاصرات كانت أصدقهن تمثيلا للعاطفة الصحيحة والشعور الذي يخامر الأنثى. وليس معنى هذا أن شعرها مقصور على الوجد والحنين فإن لها تأملات روحية وصورا حسية منوعة دلت على تتبعها وتعمقها في فهم الكون والحياة والمضي مع تيارات الفكر الحديث. والشعر عند فدوى فن يرفده حس مرهف وقريحة مثقفة لم تقنع من الفطرة بالوحي والإلهام. وقارئ قصيدتها آية كانت يشعر أن وراء هذا الشعر من تقوله وقد ملكت مواهبه وأسبابه.
ولعل الشاعرة الطوقانية قد تأثرت بتعاليم المعري والخيام، فتوقانها إلى الانعتاق من الحياة ولا سيما انطلاق الروح من الجسم فكرة علائية أكثر المعري من ذكرها في لزومياته، وحنينها إلى الينبوع الإلهي نزعة صوفية. أما أملها في أن تبعث من ترتبها زيتونة مثمرة فهذه لمعة خيامية تلوح في قولها:
يا رب إما حان حين الردى ... وانعتقت روحي من هيكلي
وأعنقت نحوك مشتاقة ... تهفو إلى ينبوعها الأول
وبات هذا الجسم رهن الثرى ... لقى على أيدي البلى الجائره