أقول إن هذا التقليد، جاء إلينا من الغرب، إذا أننا في مسرحنا. . . ولا سيما في هذه المرحلة، مرحلة النقل والاستساغة واستخلاص الكيان الذاتي لمسرحنا الناش - مازلنا نتبع المسرحي الغربي، وخاصة المسرح اللاتيني. وما أظن أن الأستاذ المعداوي ينكر أن هذا (للتقليد) أو (التقليعة) يجري كل ليلة بأكثر مسارح العالم، وفي دار الأوبرا الملكية حيث تقدم الفرق الغربية الكبرى أعيان المسرحيات في أبرع عرض تمثيلي.
بيد أن واجب إنزال الأمور منازلها الصحيحة يقضى بأن نقرر أن هذا التقليد، قد مظاهر تطبيقية تبعاً للمزاج العام الذي عليه كل أمة، وإن كان لا مفر من الأخذ به.
فأكثر الفرق الإنجليزية من أن يحيي الممثلون الجمهور عقب كل فصل المسرحية، يكتفي بإتيان هذا الأمر مرة واحدة، وذلك في نهاية المسرحية، فنرى جميع ممثلي الرواية كبيرهم وصغيرهم، وقد انتظموا صفاً واحداً، يحيون الجمهور بما يتناسب وحرارة إعجابه وتأثره.
هذا لدى الشعوب الشمالية وهي شعوب تتسم بالمستوى الذهني الرفيع، وبالرزانة العاطفية وبالاعتدال في التعبير. . . ولا أقول (بالبرود).
وإني أميل إلى الأخذ بهذا أجدر بالممثلين وأكرم للجمهور وأحفظ لرواء الفن وليس لأي سبب آخر مما يتصل بهدم الواقع أو سواه، بل لقد أخذت به فعلا في النادر من المسرحيات التي قدمتها في أول عهدي بالإخراج المسرحي، ولكنني لم أوفق إلى إرضاء الجمهور والممثلين، فأقلعت عما أخذت به والأسباب معلومة معرفة. . . ولأعجب. . . فنحن شعب يستخفنا الطرب أيما استخفاف، وتطير بلبنا الهزة لأننا فطرنا على الاستجابة السريعة للبادرة التي يبطنها طبع صاحب حاد.
هذا ما يحضرني قوله في هذا التقليد، وهو تقليد أراه يرتفع إلى مرتبة المراسم، لأنه مستمد من طبيعة فن المثل ومن مزاج الجمهور المشاهد.
فالممثل، وهو عراض ماهر لمختلف المشاعر الإنسانية عن طريق المحاكاة ومحاولة الفناء في شخصية الدور الذي يؤديه يستهويه أن يرى أثر ما يعرضه على الجمهور الجالس أمامه والشاخص إليه بكل جوارحه، بل إن الممثل ليستهوي في أكثر مواقف دوره بهذا الأثر الذي يبديه الجمهور ليتابع أسلوبه في الأداء، أو ليبدل فيه أو ليطرق أسلوباً آخر.