والجمهور بدوره، وقد حضر التمثيل، مغري بأن يستجيب إلى الأثر ينسجه الممثلون عليه، مدفوع إلى أن يبدي إعجابه وعجبه بمن يرى، فكأننا والحالة هذه أمام استجابة حارة متبادلة بين الممثلين والنظارة، فلا حيلة - والأمر ههنا وههنا ما قررنا - أن نغير من طبيعة الممثل والجمهور. وإن صح لنا أن نضع لهذا ولذاك معالم وحدودها بحديث لا يجفوها منطق العرض التمثيلي ولا (معقولية) المرنة السمحة. وقد وضع الأقدمون من فقهاء المسرح هذا العالم والحدود، فجاء هذا التقليد الذي أسلفنا ذكره وأوضحنا مظاهره المختلفة لدى (اللاتينيين) ولدى أهل الشمال.
وأنه ليطيب لي بعد هذا أن أسأل الأستاذ المعداوي، وأن أسأله مخلصاً - لأنني أحب دائماً أن نعلم - أسأله ما الذي يقترحه في هذا الصدد. هذا مع اعترافي بأنني لم ولم أسمع أن هناك تقليدا مسرحيا يقضي بأن لا يرفع الستار عقب انتهاء أحد فصول المسرحية أو في نهاية فصولها ليستجيب فيه الممثلون إلى تصفيق الجمهور وهتافة فيظهرون أمامه وقد نحوا عنهم مسرح الأدوار التي كانوا يتقمصونها وأخذوا يردون التحية بما يناسبها.
المسرح استثارة الواقع:
قلت أنه يحلو لنا أحياناً أن نرى فيما يقدمه المسر أحياء كاملة من الواقع. . . ولا سيما في مصر، وذلك لأن العرض التمثيلي فيها، جاءها في العقد الثامن من القرن الماضي، متأثرا بالمدرسة الرومانسية وهي المدرسة التي كانت تسود عالم الأدب والفن في فرنسا. ثم تلا ذلك تأثير المدرسة الواقعية التي اشتط أصحابها في مهمة المسرح فحاولوا أن يجعلوا منه (قطعة من الحياة)، ولكن هذه وتلك، مدرستان لم يبق لهما في الأدب والفن كبير أثره ولا سيما بعد أن أخذت مكانها اتجاهات أدبية وفنية جديدة.
هل المسرح هو الواقع؟ هل المسرح هو الحياة؟ ولكن أي واقع وأية حياة؟ ومتى كان الفن لهذا قادرا ومقدرا! هذا ما لا يعلمه أكثر الجمهور، ولكن الذي أعلمه أن النقد المسرحي في مصر يجري حسابه تبعا لهذا الشعار. . . ومن هنا يأتي نقد الأستاذ الدوياتي، وهو نقد يتلخص في أن رفع الستار مرة أخرى بعد إسداله عقب انتهاء كل فصل يؤدي إلى (الانفعالية المفاجئة لدى النظارة، مما يحول نيتهم وبين التعاطف والاندماج في اللحظة التي أوشك أن يتم فيها التعاطف والاندماج).