مطلقاً الحرية في أن يلقي على أيامنا السواد. وليس على شيء من الحرية في أن يهتف بنا كلما رام أحدنا إصلاحاً: أن قفوا بالقدر من ورائكم هادم ما تريدون إقامته، مذل منكم الأعناق، أنا لا أطلب إليه أن يجعل أقاصيصه ذات هدف اجتماعي إصلاحي ولكنني أطلب إليه ألا يذكرنا بهذا القدر فتقعد همة تحاول أن تهب، وتحوز عزيمة توشك أن تثب.
وللأستاذ أمين أقاصيص بلغت من الكمال مكاناً وهي مع ذلك لم تهدف إلى إصلاح إلا أن تطمئن النفس العاملة أن لها أجرها، وإلا أن تبشر من بلاه الله بتشويه في خلقته، أن جمال الروح أثمن من جمال الوجه كما في أقصوصة (حكمة القدر) التي لابد لقارئها حينما ينتهي منها أن يشعر بأن القدر الغاشم الصلب قد يكون رءوفاً كرماً. هي أقصوصة قدرية ولكنها لا تشوه أمامنا القدر ولا تقعد بذي الهمة ولا تخير صاحب العزيمة:
لابد لي بعد هذا أن أتناول بعضاً من تلك الأقاصيص التي هدف فيها الأستاذ أمين إلى فكرة معينة. وإني لأشايعه في بعض من هذه الأفكار وأعارضه في بعض منها آخر؛ ولكنني عجبت من أربعة مواضع تعارض فيها مع نفسه تعارضاً واضحاً؛ فهو في أقصوصة (وفار التنور) يذكر مقدار الحاجة الملحة للمال وكيف دفعت هذه الحاجة الخباز حارس الفرن أن يلتهم ديكا كان يعد لأحد الباشوات ثم حرق نفسه بعد أكلته. . هو في هذه الأقصوصة جعل الرجل يدفع حياته كلها في سبيل أكلة. . الفكرة غريبة بعض الشيء لأن الجوع كان من نفسه سيؤدي بالرجل إلى الموت، كما أنني أعتقد أن سرقة ديك لا يعاقب عليها بالإعدام الذي حكم به الرجل على نفسه. على أية حال كان الرجل معدماً في أشد الحاجة إلى المال ليأكل، فسرق وأكل وانتحر. . في هذه الأقصوصة أظهر لنا عظمة المال وجبروته ولكنه في قصة أخرى هي (آفة السعادة) جعل آفة السعادة هي المال نفسه. والحياة بين اثنين، إما وجود المال أو عدمه، فإن كان وجوده تعاسة وإعدامه موتاً. فماذا يرى الأستاذ؟
أما الموضعان الآخران فهما أشد غرابة في تعارضهما؛ فهو في أغلب أقاصيصه كان يهدف - كما قلت - إلى فكرة اجتماعية جليلة، ومعنى هذا أنه يرى أن الفن أداة للإصلاح الاجتماعي، بل هو يذهب إلى أبعد من هذا فيعمل بفنه في سبيل الإصلاح الاجتماعي ولا يمكن أن يكون مصلحاً اجتماعياً إلا إذا كان إنساناً يأكل ويشرب ويتزوج. هو إذن من أنصار النظرية السائدة اليوم أن الفن للمجتمع وليس للفن، وأن الفنان من المجتمع وإلى