العصر العباسي مع إيراد نماذج لكل من هاتيك العصور. فأنت ترى أنه بحث قيم جدير بالثناء، كما ترى أنه موضوع طريف في مسألة لها أهميتها وخصوصاً في عصرنا هذا. عصر الرقي الاجتماعي والاتصال الفكري، عصر المجادلات السياسية والمناقشات البرلمانية والمحاضرات العلمية والوعظية في المجتمعات والنوادي وفي الراديو وغيره. وأني وأن كنت أشايع المؤلف الفاضل في رأيه أن الخطابة ملكة وهبة وطبيعية، فأني أرى معه أيضاً أن الأصول والقواعد الفنية لابد منها حتى للموهوبين، فما أبدع الجمع بين الاستعداد الفطري والأوضاع الفنية، هذا ولو لم يقتصر الأستاذ الفاضل على الخطابة عند العرب فتناول الخطابة عند أمم الغرب لكان موضوعه أتم، وكانت فائدته أعم، إذ
تتسنى بذلك المقارنة. ولا شك أن ما طرأ على الأمم من تغيير في نظم الاجتماع وطرق التفكير قد أدخل على الخطابة في العصر الحاضر عناصر أخرى جديرة بالبحث، والمؤلف كما يظهر في كتابه جدير بأن يفرد لها رسالة أخرى لا يتقيد فيها ببرنامج الدراسة وحدوده.
وأما الكتاب الثاني فعبارة عن نصوص منتخبة من النظم والنثر وفقاً لمنهاج البكالوريا اللبنانية قام بوضعه الأساتذة واصف بارودي، وفؤاد افرام البستاني، وخليل تقي الدين، وفي يدي الآن الجزء الأول منه، ويشمل الجاهلية وعصر صدر الإسلام، ويقع في نيف ومائتي صفحة من القطع الكبير، وقد طبع طبعاً أنيقاً في بيروت، أختار مؤلفوه الأفاضل من عصر الجاهلية شيئاً من أشعار امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير وعنترة والنابغة الذبياني مع إيراد ترجمة قصيرة لكل منهم، وبيان ظروف معلقته، واختاروا من عصر صدر الإسلام للأخطل وفرزدق وجرير وعمر بن أبي ربيعة والحجاج بن يوسف وعبد الحميد الكاتب، على نحو ما فعلوه في العصر الجاهلي مع الإشارة هنا إلى الدواوين أو المؤلفات. وقد يظن القارئ أن مثل هذا العمل قليل الخطر، ولكن الواقع أنه من أدق الأعمال الأدبية، فالاختيار يحتاج إلى توخي الفائدة وإلى التقيد بالذوق العام، ومراعاة سن القارئ ودرجة استعداده، ثم ملاحظة القطع المختارة ومقدار دلالتها على تفكير صاحبها ونوازعه في الشعر والكتابة وما ينعكس فيها من أخلاقه وصفاته، وهذا بلا شك يزيد في قيمة النصوص، فالنصوص كما لا يخفى أمر لابد منه لدراسة الأدب وتذوقه، وهي الخطوة السابقة للنقد بل الأساسية له. هذا وكثير من النصوص ما تزيد قيمته في نفس الجمهور بحسب من أختارها لا من حيث هي