جد في تنفيذ برنامجه الإصلاحي. . ولقد كان له من زهده ومناصرة العلماء له ومواتاة أهل بيته: زوجه فاطمة وابنه عبد الملك وأخيه سهل ومولاه مزاحم أقوى عون على ما أراد. . بدأ بمنصب الخلافة ممثلاً فيه فجرده من كل مظاهر الأبهة ورده إلى بساطته القديمة. . قم أنه أمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها. . فجعل لا يدع شيئاً مما كان في يد سليمان وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة. . وكان يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة الفاطمة؛ وكان يكتفي باليسير فإذا عرف وجه مظلمة ردها عليه ولم يكلفه تحقيق البينة لما يعرف من ظلم الولاة قبله للناس. . فلما بلغت الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم اجتمعوا وقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل. يقول ابن الأثير: ولما رجع عمر من جنازة سليمان بن عبد الملك رآه مولى له مغتماً فسأله: فقال. ليس أحد من أمة محمد في شرق الأرض ولا غربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه من غير طلب منه. . وقالت فاطمة امرأته: دخلت عليه وهو في مصلاه ودموعه تجرى على لحيته فقلت أحدث شيء؟ فقال: إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذوي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض فعلمت أني ربي سيسألني عنهم يوم القيامة، فخشيت أن لا نثبت حجتي عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت. . وقال عبد الملك لأبيه عمر: يا أمير المؤمنين ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقا لم تحيه وباطلاً لم تمته؟ فقال يا بني: إن أجدادك قد دعوا الناس عن الحق. . فانتهت الأمور إلي وقد أقبل شرها وأدبر خيرها. . ولكن أليس حسناً وجميلاً أن لا تطلع الشمس علي في يوم إلا أحييت فيه حقاً وأمت فيه باطلاً إلا نفسه وأهله، فلم ير ولي قوم أعف عن ما لم منه، ولم ير أهل بيت أصبر على الطعام الخشن والثوب المرقوع والبيت المتهدم منه ومن أهل بيته. ولقد أراح عمر الناس ولكنه أتعب نفسه، فكان حركة دائمة يعمل ليل نهار حتى ذهبت نضرته واحترق جسمه. . توفى عمر بعد ذلك في رجب سنة إحدى ومائة، وكانت حياة قصيرة حافلة بجلائل الأعمال وعظائم الأمور. . ولما مرض قيل له لو تداويت! قال لو كان دوائي في مسح أدنى ما مسحتها. نعم المذهوب إليه ربي! قال ميمون بن مهران قال عمر بن عبد العزيز. . لما وضعت الوليد في حفرته نظرت فإذا وجهه قد أسود؛ فإذا مت ودفنت فاكشف عن وجهي.