فالوزير يبدأ بإنشاء مجالات جديدة، ويعمل على سد نقص ناشئ من التقصير في الماضي. ولاشك أن الغايات تحتاج إلى وسائل لابد من توافرها. ولو أخذ برأيه من وقت أن نادى به لأصبح لدينا الآن متعلمون يعرفون مختلف اللغات الحية ولأمكن الآن مواجهة التوسع المطلوب وإتاحة الحرية الكاملة المنشودة.
رسالة الشعر في الكفاح الشعبي
هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها الأستاذ عزيز أباظة باشا يوم السبت الماضي بجمعية الشبان المسلمين بدأها بمقدمة عن كفاح الشعوب قائلاً إن هذا الكفاح يهدف إلى أمرين، الأول الحضارة وهي الرقي الفكري والعلمي والاجتماعي، والثاني الحرية ومقاومة المعتدين عليها من أبناء الشعب نفسه أو من المقتحمين المحتلين. ثم قال إن أهم وسائل الكفاح ما يبعث الشعور ويتصل بالعاطفة، وهو الفنون عامة والشعر خاصة. وقال إن شعر الحماسة هو أقوى أبواب الشعر، ولذلك غلبه أبو تمام على سائر الأبواب إذ سمى كتابه (الحماسة) وساق عدة أمثلة من الشعر العربي مبيناً أثرها في بعث الهمم وإثارة المشاعر.
ثم انتقل الأستاذ بعد ذلك إلى التفات بارع إذ قال إن الشعر أخلد حينا إلى الأرستقراطية واعتزل الشعوب والجماعات، ولكن لم يكن كذلك الشعر وحده، بل كان الناس أيضاً متخلفين عن أهدافهم ضالين في حياتهم، فكما ساروا في ركاب الملوك والأمراء سار الشعر مثلهم وتخلف تخلفهم. ثم أحس الشعراء بحاجتهم إلى التعبير الصادق فاستحدثوا الابتداعية (الرومانسية) ولكن هذه كان عيبها أنها تعبر عن الفرد ولا تهتم بالجماعة. ثم اهتدى الشعراء إلى الابتداعية الحديثة وهي مشاركة الشعر للناس في حياتهم والتعبير عن آلامهم وآمالهم، ووصف الأستاذ المحاضر هذه الابتداعية الحديثة بأنها هي الفن الصحيح.
ومما قاله عزيز باشا في هذه المحاضرة القيمة أن الشعر اكتملت أداته الوطنية في العصر الحديث، فكان الشعراء هم الداعين إلى كل إصلاح والسابقين إلى كل دعوة، فقد مهدوا لثورات الشعوب في فرنسا وروسيا وبولندا، ولم يقصر شعراء العرب في هذا المضمار، فكان في العراق الزهاوي والرصافي لم يزل فيه الجواهري والشبيبي. وجال شعراء الشام في ميادين أوسع لغربتهم في المهجر فاكتسب شعرهم ألواناً جديدة وسرى فيه روح القوى.