قد ألهمتني تلك المأساة المؤلمة ديوانا أسمتيه (صوت فلسطين) ورغم ذلك فأنا لا أعتبر هذا الشعر فنا خالدا لأنه مناسبات وأنا من ألد أعداء المناسبات مهما كان نوع المناسبة، لأنني أعرف أن الحياة عندنا تمر وأن التاريخ عندنا يطوي صفحاته يأتي ما قبل في المناسبات السياسية بمؤخرة القول، لذا أن شعر الوجدان والعاطفة يخلد أكثر من خلود باقي الشعر، بديل أن حوادث كثيرة مرت بإنجلترا وفرنسا وألمانيا ولكن لم يخلد ما قيل فيها يقدر ما خلد شعر بيرون وشلي وكينس ولامرتين وهوجر ودي موسيه. ولو فتشنا في تاريخ العرب الأدبي لوجدنا أن كثيرا من الأحداث السياسية قد مرت ومر ما قيل فيها ولم يخلد إلا شعر أمثال الأعشى والأخطل وابن أبي ربيعة وأبي نؤاس وابن الأجنف والبحتري وابن الرومي وصريع الغواني، وحتى في العصر الحديث نجد جل الشعراء كشوقي وحافظ والبارودي ومطران لم يعرفوا بشعر السياسة والمناسبة بقدر ما عرفوا بشعر الوجدان. فهل بعد هذا تقيم وزنا لشعر المناسبات الذي لا يصدر إلا عن دافع رسمي أو واجب ولي بدافع عاطفي صرف؟)
وأنا حقاً لا أقيم وزناً لشعر المناسبات الذي يصدر عن دافع من خارج النفس، ولكن ليس هذا الشعر هو الذي ندعو أليه، وما أظن ما قاله الناصري في (صوت فلسطين) من هذا القبيل وأعتقد أن قصائد المرحوم علي طه ليست منه أيضاً. فإذا كان المقصود بشعر المناسبات ما يقال للمجاملة أو الملق وما يتخذ أحبولة لصيد المنافع أو للاستجداء فإننا لا نعد هذا من الأدب (المحترم) في شيء. أما ما تنفعل به نفس الشاعر إزاء أحداث الجماعة ومسائلها ويفيض به خاطره شعرا أو نثرا فهو أدب خالد ما في ذلك شك. وهو لا يخرج عن نطاق العاطفة والوجدان بل أن العاطفة هنا أرقى من العاطفة الفردية. وليس الخلود مقصورا على العواطف الفردية، بل إن التعبير الصادق عن عواطف الجماعة أحق بالخلود وأجدر بالاعتبار لما فيه من اندماج الشاعر أو الكاتب في بيئته وإحساسه بها. وليس ما قاله الأستاذ الناصري عن الشعراء الذين سماهم مسلما به، وليس ما قاله الأستاذ الناصري عن الشعراء الذين سماهم مسلما به، فكثير منهم قال في أحداث الجماعة أروع شعره وأخلده. على أنني أعتقد أن مدار الأمر على صدق الانفعال، فل الأدب الصادق لا ينظر هل هذا اللون من القول خالد فيقول فيه وهذا غير خالد فيتجنيه، وإنما هو يقول ما يمليه خاطره،