للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تقابل الأوضاع والمصطلحات الدخيلة، واختاروا أسماء لمسميات هجمت بها علينا هذه الحضارة الحديثة، وقد وضعت في ذلك معجمات ورسائل لغوية كثيرة.

من ذلك يتضح لنا لن البحث عن اللهجات قد اتخذ أطوارا شتى يعرفها من ألم بتاريخ آداب اللغة العربية في مختلف العصور. وهذا ابن خلدون عالج موضوع اللهجات المتفرقة عن لغة مضر على وجه يفهم منه أنها كانت متميزة في عصره وهو يسميها (لغة الجيل) ويقولون بينها وبين (اللغة المصرية) وقد أفرد في مقدمته المشهورة فصولا للبحث في هذا الشأن. منها فصل عنوانه (لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير) وآخر عنوانه (لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها مخالفة للغة مضر) إلى فصول أخرى، يشير ابن خلدون في بعضها إلى مميزات لهجة عصره أو لغة جيله كما يقول، ومن تلك المميزات زوال الأعراب، وظهور الوقف في آخر الكلمات.

من ذلك نعلم أن اللهجات بمعنى من المعاني قديمة قدم اللغة. ومن هذا القبيل لهجات القبائل اللغوية في الجاهلية وصدر الإسلام، وهي لهجات استند إليها القراء في تخريج القراءات، وأشار إليها المؤلفون في هذا الفن. وتعتبر هذه اللهجات كلها فصيحة مع أن بعضها شاذ مهجور. ثم تفرع عن الفصحى نوع آخر من هذه اللهجات المحلية نشأ فيه التحريف وفسد النطق، فأصبح للكتابة لغتها، وللكلام لهجته، وذلك في الأقطار التي استقر بها العرب والمسلمون الفاتحون في أولى عصور الدول الإسلامية بعد عصر الراشدين.

ما من شك في أن الشقة تباعدت، ولم تزل، بين اللغة الأصلية وفروعها، وأن الجفاء والشذوذ تفاقم بمرور الأيام حتى زعم من أن بين هذه اللهجات المتعددة من جهة أخرى، صراعا مريراً، وأن نتيجة هذا الصراع تغلب إحدى هذه اللهجات واندماج سائرها في لهجة بعينها، ثم تصبح لغة مستقلة نصطنعها في الكتابة والكلام سواء بسواء. ومن المحال في زعم هؤلاء الزاعمين أن تبقى الفصحى محتفظة بوحدتها الأولى زمنا طويلا ًمع هذه الفوارق. وهم يتوقعون أن تتحول هذه اللهجات يوما ما إلى لغات مستقلة قائمة بنفسها، غير مفهومة آل للمتكلمين بها، كما أن الفصحى ستكون لغة غير مفهومة للمتكلمين بهذه اللهجات بالمرة، وهو فيما نرى - إسراف في التكهن والرجم بالغيب. ويزيد بعضهم على ذلك قائلاً: أن لهجة القاهرة الشائعة هي لغة المصر بين في المستقبل. ولماذا لا يقال في لغة المجتمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>