المصري هذه أنها هي لغة الطبقة المثقفة المتعلمة بعينها، وهي هذه الفصحى السليمة الموحدة من حيث النطق، وخارج الحروف، وأن كانت عارية من الاعراب، لا تلك اللهجات الشاذة.
يغالي أنصار اللهجات بآرائهم قائلين: إن هناك صراعا بين الأم وفروعها، أو بين الفصحى ولهجتها، ونحن نقول لهم: لماذا لا يسفر هذا الصراع أو تنازع البقاء عن نتيجة حاسمة يصح فيها الصحيح، ويبقى الأصلح نزولاً على حكم مذهب النشوء والارتقاء.
أو يدوم صراع لغوي مدة تشارف الألف والثلاثمائة سنة؟ والحق أنه ليس هناك صراع بل هناك شذوذ وجفاء، وهنك ازورار وانحراف في هذه اللهجات الملية، من مصرية وعراقية وشامية ومغربية، فما هذه اللهجات سوى اللغة العربية محرفة عن أصلها. كانت الفصحى معرية فحل الوقف محل الأعراب، وكان التلفظ والنطق موحدا فطرأ ما طرأ عليها من الاضطراب والفساد والتحريف والتشويه بسبب هجرة المسلمين والعرب الفاتحين إلى شتى الأقطار البعيدة عن الجزيرة العربية.
ليس من الإنصاف ولا من الصواب أن ندعو ما نحن بصدده صراعا بين الأصول والفروع، بل هو ضرب من الشذوذ والانحراف لا بد أن ينتهي إلى صلح ووئام. ومن الخطأ قياس من يقيس ما حدث للفصحى بما حدث للاتينية، أو السامية البائدة، ثم يسرفون في التكهن، والاحتمالات البعيدة، ويتوقعون أن تتخلى الفصحى عن مكانها لتدخل في ذمة التاريخ في الأقطار المأهولة بالشعوب اللاتينية وقد تكلفت بحفظ الفصحى وحياطتها وخلودها معجزة القرآن؛ فلولا إعجاز القرآن لجاز أن يحدث لهذه اللغة ما حدث من قبل للغة اللاتينية.
تجتاز هذه الأقطار المأهولة بالناطقين بالضاد عصبية، وهذه الشعوب الآن أحوج ما تكون إلى التفاهم والتعاون، ووحدة اللغة. ولو اصطنعنا هذه اللهجات الفاسدة لاستحال تحقيق الوحدة اللغوية، ولتعسر التفاهم أو التخاطب أو التخاطب بين الشعوب المذكورة.
ما أكثر عيوب هذه اللهجات ومساوئها، وفي مقدمتها أنها عاجزة عن تكوين تلك الوحدة؛ فلكل قطر لهجته ومميزاتها التي تجعل منها أداة غير صالحة للتفاهم في أمة تسعى وحدتها اللغوية.