للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكتوبر سنة ١٨٠١ وبمقتضاها يكون الاتفاق على جلاء الطرفين معا عن مصر.

ولم تكد شمس يوم ١٨ أكتوبر تغرب حتى كانت قوات الاحتلال الفرنسي - وعدتها وقتئذ ثلاثة عشر ألفا - قد أخذت طريقها في البحر تجرر أذيال الخيبة، وفي مؤخرتها عبد الله جاك مينو. وبذلك اليوم انطوت صفحة من تاريخ مصر لطخها الاستعمار بالظلم والإرهاب. وأثقل المحتلون فيها كاهل مصر بالسخط والتذمر على أوربا الغادرة.

وظن الإنجليز أن الجو قد خلالهم فأفسحوا صدرهم للمماليك ليضربوا بهم الأتراك عن يمين والمصرين عن شمال. وظلموا يتلكئون في الجلاء حتى استعجلهم نابليون فتركوا البلاد لأهلها في ١٦ مارس سنة ١٨٣٠، ومعهم صنيعهم محمد بك الألفي، وبين يديه البقية مما نهبه من الصعيد، وقد طوى جوانحه على أمل أن يعيده السادة الإنجليز قريبا جدا ليكون ملك المنتظر.

وهكذا قضت مصر هذه الحقبة من تاريخ تحت كابوس الاحتلال الفرنسي ذاقت في خلالها ما بعدها من مرارة. وحسبها أنها اعتمدت على إرادة شعبها الأبي الحر فواجهت الظلم المسلح وهي عزلاء من كل سلاح، اللهم إلا الأيمان بالحق المغتصب، والكفاح في سبيل الشرف الرفيع. ولم يعرف التاريخ أمة غير مصر تداعت عليها القوة الغاشمة مجتمعة فكافحها جميعاً في آن واحد غير معتمدة إلا على الأيمان والوحدة والمصابرة، وبذلك قضت على إنجلترا وفرنسا وتركيا والمماليك والطاعون جميعاً.

وما كان المصريون لينسوا منذ اللحظة الأولى للاحتلال الفرنسي مبلغ ما تنطوى عليه عبارة نابليون في منشورة الأول من مغالطة وقحة إذ يقول أن (الديوان) المشكل إنما يقصد به (تدبير الأمور والنظر في راحة الرعية وإجراء الشريعة).

كما أنهم لم ينسوا كيف نابليون حرم العمال المصريين من العمل في المصانع التي شيدها في مصر ظل الاحتلال حتى لا يطمعوا لذة العيش، وحتى لا يتعلموا صناعة جديدة تعود اقتصادياً على البلاد بالنفع العميم، ولكنه الاحتلال وكفى.

وحسب المصريين أنهم تعلموا منذ ١٥٠ سنة أن كفاح الشعوب إنما هو سبيل حريتها واستقلالها، وأن (الطرق السليمة المشروعة) أصبحت غير ذات موضوع. وصدق نبي الجهاد (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا).

<<  <  ج:
ص:  >  >>