للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتقن مينو دوره الاستعماري أيما إتقان، فأعلن إسلامه ونزوج أرملة مسلمة من رشيد، وخالط الناس في المساجد والحافل، وأظهر الورع حتى صلى معهم التراويح، وتظاهر بمقته لكليبر حتى لقد سمى ابنة باسم قاتل خصمه، ولكنه ما لبثأن قلب للمصرين ظهر المجن، وبرح خفاؤه، حين اتهم الأزهر بتدبير اغتيال سلفة فأمر بتفتيش وإرهاب علمائه، وحاول أن يقف على شيء يدل طائل، واقترح العلماء غلق الأندر بدلا من أن تشن عليه الحملات الإرهابية وحقنا لدماء المواطنين، وإبراء لذمتهم من دم كليبر.

ومع ذلك ظل مينو سادرا في غلوائه وغطرسته، فلم يكف عن سياسة سابقة. ومما زاد في تعزبز مركزه تلك العدة التي أنفذها إليه نابيلون من فرنسا، واستطاع أن يهربا فأفلتت من الرقابة الإنجليزية المنبثة في أرجاء البحر. غير أن الأمل لم يطل مداه حينما ترادفت قوات الإنجليز والأتراك على مصر عند كانوب في الأسبوع الأخير من مارس، وسقطت المن المصرية صرعى احتلال جديد بينما كان الطاعون لا يزال يفتك بالمواطنين والأجانب فتكا ذريعا.

نكص الفرنسيون على أعقابهم إلى القاهرة وطلبوا المدد من حليفهم مراد بك فعالجه الطاعون في سوهاج وهو في الطريق إليهم، فأدركوا حرج موقفهم، في جلاء الفرنسيين أنفسهم، ولقي ذلك هوى. وفعلا عقد بليار اتفاقية الجلاء في ٢٧ يونيو دون علم مينو، ولم تستطع المعدات الجديدة أن تصل إلى مصر فعادت أدراجها إلى طولون. وكادت تنتهي الخمسون يوما المحددة للجلاء برا وبحرا، ولكن الفرنسيين أخذوا يماطلون حتى حاصرهم الإنجليز حصارا كاد يؤدي بهم، فعقد مينو مجلسا عسكريا من رجاله، فأجمعوا الرأي على الجلاء.

وهنا أملي الإنجليز شروطا أقسى من ذي قبل حتى لقد أوجبت على العلماء الفرنسيين أن يسلموا بحوثهم وأدواتهم وحتمت عيهم هذه الشروط أن يتم الجلاء في مدى عشرة أيام، وأن يسلموا سفنهم بما عليها من عتاد، وبمن عيها من جنود. وبدأ الفرنسيون يسلمون القلاع والذخائر في ٢ سبتمبر، غير أن العلماء تذمرهم لحرمانهم من ثمرات فرائهم، وفاضوا هتشنسون في ذلك فأبى عليهم حمل الآثار المصرية معهم، وسمح لهم بما دون ذلك.

وفي هذه الأثناء كان قد انتهى من مفاوضة مع إنجلترا بما يسمى (مقدمات لندن) في أول

<<  <  ج:
ص:  >  >>