الإنتاج وتراكمت الإتاوات والغرامات وتربص الإنجليزي والترك للفرنسيين على الشواطئ، وقطع الحصار البحري على الحملة الإرهابية كل سبيل، وكتب المسيو بوسليج في تقريره إلى حكومة الدير كتوار يقول (. . إن اختلاف العادات - وأهم منه اختلاف اللغة وخاصة اختلاف الدين - كل ذلك من العقبات التي لا يمكن تذليلها والتي تحول دون؟ إيجاد صلات الود بيننا وبين المصريين. إنهم يمقتون حكم المماليك، ويرهبون نير الآستانة، ولا يحبون حكمها، ولكنهم لا يطيقون حكمنا ولا يصبرون عليه إلا بأمل التخلص منه).
وظل كليبر يماطل في الجلاء كلما تغلب على المحاولات البحرية العثمانية التي دأبت على مناوشته على شواطئ مصر، فلما تمت معاهدة العريش المعروفة في٢٤ يناير سنة ١٨٠٠ بين فرنسا وتركيا قبل القائد الفرنسي الجلاء عن رغبة منه حد قوله في (وضع حد لسفك الدماء، وإنها النزاع القائم بين الجمهورية الفرنسية والباب العالي).
وفي غضون الأشهر الثلاثة المقررة للجلاء نزلت القوات التركية تدريجيا بالأراضي المصرية وأمعنت تعسفات غاشمة من التهب والسلب والإرهاب وابتزاز الأموال بحجة الحاجة إلى مصاريف إبعاد الفرنسيين، فجمعوا الغلال، واحتكروا المؤونة وشاركوا المواطنين في الحرف ونافسوا في أرزاقهم مما أثار السخط العام على الأتراك والفرنسيين من قبلهم.
وتأججت نيران الثورة من جديد لعدم اعتراف إنجلترا بمعاهدة العريش تلك، وألبث المصريين على كليبر، فلم يجد بدا من التفريق بين فلول المماليك وبين المصريين من جهة وبين هؤلاء وبين العثمانيين من جهة أخرى، فاتفق مع مراد بك على أن يطلق يده في الصعيد نظير دفاعية وأموال وغلال. فلما شبت ثورة القاهرة في ٢٠ مارس سنة ١٨٠٠ أشار مراد بك على كليبر بإضرام النار في العاصمة.
وبعد شهر من هذا التاريخ استطاع كليبر أن يخمد الثورة، ويطرد العثمانيين، فوطد مركزه، وأبعد من حسابه فكرة الجلاء. فلما فاوضه الإنجليز والعثمانيون في تنفيذ معاهدة العريش أبى ولج في الطغيان، حتى لقي حتفه بطعنة من خنجر سليمان الحلبي في ١٤ يونيو وخلفه مينو الذي ورث عن سلفه أفدح الأعباء قائد متخاذل مثل مينو.