لكان الأمر بغمس الذبابة عبثا لأن جسم الذبابة مع أحد جناحيها قد انغمس في الشراب فلو كان الشقاء في الجسم كله لم تبق حاجة إلى الأمر بالغمس.
إن هذا المعنى في عبارته الحديث واضح جلي يفهمه كل من سمع الحديث ولو كان أعجميا، ولكن الدكتور حفظه الله يقول إن عبارته الحديث لا تفيد التخصيص إنما جاء ذكر الجناحين اعتياديا جريا على العادة التي تقضى بوجود الجراثيم في الجناحين كوجودهما في الجسم، مع أن العادة تقضي خلاف ذلك، لأن الجناحين يكونان بحكم العادة وبحكم الضرورة أبعد أعضاء الذبابة عن الجراثيم لأنهما لا يباشران المواد التي تقع عليها الذبابة بل يكونان في أعلى الذبابة بعيدين عنها.
ولا شك أن أول شيء من الذبابة يباشر المواد التي تقع عليها هو يداها ورجلاها، ثم بطنها وصدرها، ثم سائر جسمها، ثم جناحاها إذا كلت المادة التي تقع عليها من السوائل، ولكن الحديث يقول إن يقدم الجناح الذي فيه الداء فيه الداء ويؤخر الجناح الذي فيه الشفاء، فينغمس الأول ويبقى الآخر غير منغمس، فلذا أمر بغمس الذبابة كلها لكي يغمس الجناح الذي فيه الشفاء أيضاً.
إن عبارة الحديث لا يغرب معناها عن فطانة الدكتور، ولكنه اخذ يتحمل في التوجيه ويتعسف في التفسير لكي يقربها من المعنى الذي يريده هو. إلا أنه رغم هذه التحملات، بقي فلق الخاطر، غير مطمئن الضمير، لأنه يعلم حتى يجعلها مقراً للجراثيم أكثر من سائر الأعضاء؟
والظاهر أنه فكر طويلا حتى وجد طريقا إلى حل هذا المشكل فقال: (وبما أن الذبابة تمسح دائماً رجليها بأجنحتها كانت الأجنحة لذلك مقرا للبكتريايوفاج وللجراثيم أكثر من غيرها من أعضاء الذبابة. فلله دره ما أقدره على قلب الحقيقة بالكلام المجرد. بقول إن الذبابة تمسح رجليها بأجنحتها، إن الباء في هذه العبارة مثلها في قولهم كتبت بالقلم أي هي للاستعانة، فالمسموح الرجل. والماسح الذبابة، والجناح هو لآلة، المسح والظاهر أن المسح يكون بظهر الجناح لا ببطنه، لأن الذبابة إذا خفضت جناحيها وأنزلتها إلى ما تحت رجليها، كان ظهر الجناح الرجل بالطبع، إذ لا تستطيع الذبابة في هذه الحالة أن تقلب جناحيها إلى حيث يكون باطنها إلى الأعلى، وظاهرا إلى الأسفل. ومهما يكن فجناح الذبابة على هذا أصبح