إن الدكتور قد أثبت للذبابة بهذا القول طبيعة لا يعرفها الناس، ولم يستند في إثباتها إلى قوله علمي من أقوال علماء الحشرات الذين درسوا حياتها وعرفوا طبائعها وأحوالها، وقد تكلم هو في الفصل الخامس من رسالته عن خواص الذباب وطباعه، فلم يذكر فيه شيئا من ذلك.
لا يقال إن في عبارة الدكتور قلبا، و ' ن أصلها هكذا: إن الذباب وهما في اتجاههما إلى الأسفل معقوفتان إلى الأمام، وليس في استطاعتها أن ترفع رجلها إلى ما فوق جناحها فتمسحه بها، ولا أن تخفض جناحيها إلى ما تحت رجلها فتمسحها به إذ ليس ذلك من طبيعة الذبابة، فمن المحال عادة وطبعا أن يمسح الذباب أجنحة بأرجله أو أرجله بأجنحته، وإنما المعروف من طبيعة الذباب من قديم الزمان هو أنه يحك إحدى ذراعيه بالأخرى كما ذكره عنترة في معلقته، ولم يشاهده أحد يحك إحدى رجليه بالأخرى؛ ولا يحك بجناحيه رجليه، وقد شاهدته أنا في بعض الأحيان يمسح وجه بذراعيه ويمر بهما على رأسه. فمن أين اخذ الدكتور هذا القول عن طبيعة الذباب وكيف تكون أجنحته مقر للجراثيم أكثر من الأرجل والأيدي التي هي متصلة مباشرة بالمواد التي يقع عليها الذباب.
والمشهور عن الذباب أنه ينقل الجراثيم بأرجله وبأيديه، لا بأجنحته، والدكتور نفسه قد ذكر ذلك في رسالته فقال الصفحة (٤٤): (وعلاوة على ذلك تنقل الذبابة الجراثيم برجلها ويديها المكسوة بالشعر) ثم قال: (ومما يجدر بيانه هو أن قدمي الذبابة وكيفتها تشبهان خف البعير، عليهما شيء يشبه الشعر أو الوبر، وهذه تفرز إفرازات لزجة فتلتصق الجراثيم عليها وتستطيع الذبابة بهذه المادة اللزجة وبفضل هذا الخف، أن تقف على السقوف والجدران بأي وضع شاءت).
وعليه فإذا كانت أيدي الذبابة وأرجله كما يقول الدكتور تفرز مادة لزجة؛ وعليها شيء يشبه الشعر أو الوبر، كانت بلا ريب مقر للجراثيم أكثر من سائر أعضائها، لذلك، ولأنها أول ما يباشر الأقذار التي عليها الذباب فكيف تكون الأجنحة مقرا للجراثيم أكثر من أيديها وأرجلها؟ سؤالان، هل البكتريافاج موجود في الذباب دائماً وأبدا؟ وهل هو شاف لجميع الأمراض؟