متناكرين، يأكل بعضهم بعضا كالنار تأكل بعضها إن لم تجد من تأكله، وكيف قاومته العرب حتى عشيرته الأقربون، وكيف استمر على الدعوة بنفسه الكبيرة وعزمه العظيم الجبار متحملا في سبيل ذلك من المصائب والمتاعب ما فوق طاقة كل إنسان، حتى جمع أشتات العرب ووحد كلمتهم! وأحدث بهم نهضة كبرى، عربية المبدأ، عالمية المنتهى، فسارت بهم أعلامهم إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب خافقة بالنصر ومرفوفة بالعدل والإحسان، وكان كل ذلك في مدة لا تزيد على عشرين سنة بعد وفاته.
ولو أن سائحا في ذلك الزمان الذي لا واسطة فيه أسرع من البعير، أراد أن يسيح سياحة متفرج لا فاتح في البلاد التي نشروا فيها لواء العدل والتوحيد لما استطاع أن يتم سياحته في أقل من هذه المدة. فهذه معجزة المعجزات التي أظهرها الله على يد محمد، والتي لم يسبق ولن يكون لها نظير في تاريخ البشر.