وأقام بها (الميروفنجية) على يد زعيمهم كلوفيس، منذ القرن السادس مملكة جديدة هي مملكة الفرنج، ولما انحلت أسرة الميروفنجية، قامت بأمر الفرنج الأسرة (الكارلية) القوية، وانتزعت عرش الفرنج، واستمرت في زعامة فرنسا حتى أواخر القرن التاسع، ونبغ فيها أميران من أعظم أمراء النصرانية هما كارل مارتل الذي رد العرب في بلاط الشهداء (سنة ٧٣٢م) وكارل الأكبر (شارلمان) أعظم ملوك الغرب في عصره؛ وكان الميروفنجية والكارلية كلاهما من القبائل الألمانية الشمالية، فهل نعتبر أن فرنسا كانت في هذه العصور أمة مستعبدة ترزح تحت حكم النير الأجنبي، لأن أسراً أجنبية نزحت إليها، واستقرت بها، وتولت زعامتها، وعملت لحسابها وباسمها؟ وهل نعتبر نابليون (وهو إيطالي الجنس والأصل) فاتحاً لفرنسا مغتصباً لعرشها وزعامتها، ونعتبر أن فرنسا كانت في عصره خاضعة للحكم الأجنبي؟ ونستطيع أن نلاحظ بهذه المناسبة أيضاً أن أدولف هتلر زعيم ألمانيا وسيد مصيرها اليوم، إنما هو أجنبي نمساوي المولد والنشأة؛ ومن المعروف أن الأسرة التي تتولى عرش إنكلترا اليوم، إنما ترجع إلى أصل ألماني، وأن معظم الأسر الملوكية الأوربية ترجع إلى أصول أجنبية، وإذا كانت هذه الأسر اليوم لا تتمتع بمثل ما كنت تتمتع به أسر السلاطين من السلطة المطلقة، فذلك لأن روح العصر قد تطورت، وغاضت روح العصور الوسطى، وانتهت الأمم بأن جعلت من العروش رمزاً قومياً ليس غير.
وإذا كانت مصر قد رزحت تحت نير الحكم الأجنبي في بعض أدوار تاريخها، فهي لم تشذ في ذلك عن معظم الأمم الغربية التي تتمتع اليوم بكامل حريتها واستقلالها، ولنضرب لذلك مثلاً بأمة عظيمة هي إيطاليا، التي لم تتمتع باستقلالها إلا منذ أواخر القرن الماضي، والتي لبثت طوال العصور الوسطى والحديثة مسرحاً لمطامع الدول والعروش الأجنبية، ولم تستقل فيها سوى البندقية وبعض الجمهوريات الصغيرة. ولنضرب مثلاً آخر باليونان، وقد لبثت زهاء ألفي عام ترزح تحت نير الحكم الأجنبي، منذ الرومان فالبنادقة فالترك، ولم تنل حريتها القومية إلا منذ قرن فقط، ولم تنلها إلا بمؤازرة أوربا النصرانية؛ وهناك غير إيطاليا واليونان؛ وهناك هولندا والبلجيك، وهناك بولونيا التي لبثت ثلاثمائة عام ممزقة بين دول ثلاث من جيرانها، وهنالك رومانيا والمجر، وتشيكوسلوفاكيا، فهذه كلها أمم حديثة في