وكان يبدو من جيب ثوبها الفاضح خط ما بين نهديها، كأنه خيط يسحب القلب من صدر رائيه، وأنف أشم كأنف صبي من ولد الإغريق الأولين، وفم كأنه زر ورد أحمر.
وكان ثوبها ينحسر عن ساقين ممتلئتين مستديرتين، يقطر الصبا منهما والجمال، ولم تكن فتاة ولكنها كانت فتنة في ثوب امرأة. وكان الحب الذي غنى له الشعراء، وسبحوا بحمده مصورا فتاة. كذلك كنت لما ثبت النظر أخيرا على عينيها.
لقد كانت لها عينان، لا يستطيع السمو إلى وصفهما البيان؛
عينان فيهما شيء لا أدري ما هو، ولكني أحلف أني ما مكنت بصري منهما حتى أحسست بأن أعصابي المشدودة قد استرخت، وأن دمي الفائر بالشهوة قد برد، وأن قد طارت من رأسي كل فكرة جنسية، وامتلأ قلبي عطفا وحنانا، كأن أمامي قطة صغيرة وديعة حلوة الوجه، ناعمة الشعر. هذا ما شعرت به وأن أعتذر من غرابة هذا الشعور، وتوهمتها من طهر عينيها زنبقة من زنابق الجبل، بيضاء كالثلج، نقية كالندى، لم يمسسها إلا نسيم الأصيل، ولم تقبلها إلا أشعة الشمس، ولم تبصر عريها إلا عين الشتاء.
وعجبت أنا من نفسي، مما عراني، قبل أن يعجب القارئ مما أروي.
عجبت كيف تكون لي هذه العاطفة على بغي!
أو ليست بغيا هذه التي يقدم جسدها اليهود قرى لضيوفهم كما يقدمون لحوم الخراف وشحوم الخنازير؟ وعدت أنعم النظر إليها، فأرى صبية في ثياب الغواني، ولكن في عينيها حياء العذارى، وأرى فيها ملامح رقة وتهذيب كأنها ملامح طالبة من طالبات المدرسة، لا فتاة من فتيات الليل، فرحت أحاول أن أوحي إلى نفسي أنه دل البغايا حين يسرقن نظرات الأبكار.
ووقفت ووقفت وساد الصمت والسكون، فلا حركة ولا كلام.
وعجبت هي مني أكثر من عجبي من نفسي، كأنها ما تعودت من قبل إلا لقاء وحوش في ثياب بشر، لا يرون فيها إلا ما يراه الذئب في جسم النعجة، لا يعنيه منه لونه في نظره، ولا ريحه في أنفه، ولا لينه في كفه، ولكن طعمه تحت أنيابه، وإن كان جسد النعجة ينال مرة فتموت وتستريح، وهذه (نعجة) يتعاورها الذئاب كل يوم، فهي تموت كل يوم ميتة جديدة.