أخته، فكنت أعجب من تلك العصور وهوان الإنسانية فيها، فأي حقيقة مروعة مرعبة رأيت؟ بنات العرب صرن رقيقا لليهود لا للعمل ولا للخدمة بل للخزي والفجور. . . وهأنذى مثل ذلك الرقيق: كل ما أتمناه أن يجمع الرق الأبيض بيني وبين أختي!
هذا ما تتمناه بنت الأسرة العربية الشريفة بعد نكبة فلسطين. أما حنان الأب، أما حب الأم، أما عزة العفاف وكرامة العروبة، وتلك الأيام التي كانت ترتع فيها في روض الطفولة فلم يبق من ذلك كله إلا صور باهتة في أعماق الذاكرة، لا تجرؤ هي أن تحدق فيها. . كلا إنها لا تستطيع أن تسمو إلى بعث هذه الذكريات. . إن الرأس الذي أحنته وصمة العار لا يقدر أن يرتفع بنظره إلى السماء.
ولكن الوصمة يا أختي - يا أختي على ما أنت عليه، الوصمة ليست على جبينك أنت، إنها على جبين كل عربي يرضى لك هذا الذي أنت عليه.
وكانت ليلة ليلاء، ما عرفت فيها إلا لذع الآلام.
لقد كان من المستحيل أن نفكر بالغاية التي بعثوا بها من أجلها، ذلك لأن الشهوة لا تنام على فراش حشي بأشواك الذعر، وغريزة الجنس لا تسكن قلبا ملأته بالآلام نكبات الوطن.
لقد صيرتها جوامع الأحزان، أختي. ولا يستطيع الشيطان أن يدخل بين أخوين جمعتهما في ظلمة الليل أوجاع القلب الجريح.
وانتهت الليلة وجاء النادل في الصباح ليقدم الفطور قوت الصباح، ويحمل الفتاة قوت الليل، فاضطرمت في رأسي نار النخوة لما أبصرته، ولكنها كانت (يا للعار) نار القش لا تضطرم فلا تجد الحطب الجزل فتنطفئ.
وودعتني بنظرة. . . بنظرة لا يمكن أن يعبر عن وصفها ومعناها لسان بشري.
وجاءت السيارات تحملنا لنعود من حيث أتينا، نعود ونترك بناتنا يفتك بأعراضهن اليهود؛ ومررنا بيافا، ونظرت إلى هذه المنازل التي كانت بالأمس لنا فصارت لغيرنا، خرجنا منها في ساعة واحدة انحطت علينا فيها النكبة كما تنحط الصاعقة، الأثاث الذي نضدناه قعد عليه غيرنا، والطعام الذي طبخناه أكله غيرنا، والفراش الذي مهدناه، آه. هل أستطيع أن أنطق بالحقيقة المرعبة؟
ولكنها حقيقة، إن الفرش التي مهدناها، هتك اليهود عليه عفاف بناتنا!