للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وصب في الخوف على أختي قوة لم أكن أتصور أنها تكون لأحد، فاغتنمت لحظة غفلة ممن معي ووثبت من السيارة فوقعت على ركبتي.

وكشفت عن ركبتيها وقالت: أنظر، ثم عاودها حياء العذراء التي كانتها يوما والتي تقص قصتها فأسرعت فسترتهما.

قالت:

وجعلت أعدو حافية وقد سقط الحذاء من رجلي على التراب والشوك حتى لحقوا بي وأعادوني.

ورجعت أدافع، فأحسست غرز إبرة في يدي، ثم لم أعد أشعر بشيء.

وسكتت لحظة وكادت من الحياء يدخل بعضها في بعض. وصار وجهها بلون الحمرة ثم تكلمت بصوت خافت كأنه آهات مكتومة لم أتبينها حتى دنوت منها ولفحت أنفاسها الحري وجهي.

قالت:

ولما صحوت وجدتني ملقاة على أرض السيارة، مكشوفة. . . وعلى فخذي آثار دم!!

وعادت تنشج ذلك النشيج الذي يفتت القلب.

لقد أراقت دم عفافها لأن رجال قومها لم يريقوا دماء أجسادهم في سبيل الأرض وفي سبيل العرض. لقد خدروها بهذه الإبرة كما خدروا زعماء العرب بالوعود وبالخدع وبحطام من الدنيا قليل.

قالت:

وصرنا ننتقل من يد إلى يد أنا وبنات قومي العرب، كالإماء في سوق الرقيق لم تهدر كرامتنا وحدها ولم تضع أعراضنا فقط، بل لقد فقدنا صفات الإنسانية. غدونا (أشياء) تباع وتشرى، ويساوم عليها، صارت لحومنا قرى لضيوف اليهود!

إن البائس ليلقى في مغارات اللصوص، وفي سراديب السحرة قلبا طيبا يحنو عليه، ويخفف بؤسه. . ولكنا لم نلق هنا رحمة من أحد.

لقد قرأت مرة في قصة كان دفعها إلى أبي مترجمة عن الكاتبة الأمريكية أ. بيشرستو، أنه كان من أحلى أماني الرقيق أن يباع معه قريبه وألا يفصل الرق الأم عن بنتها والولد عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>