ولم يقنع مبارك بدرجته العلمية التي نالها من الجامعة المصرية، فسافر إلى باريس، واتفق مع جريدة البلاغ أن يمدها بمقالاته وأبحاثه نظير ما تمنحه من أجر يذلل به صعوبة الاغتراب، وأخذ يوالي البلاغ بآثاره العلمية تارة، وبمشاهداته وخطراته عن باريس تارة أخرى، فوق ما يضطلع به من تحضير رسالة علمية لنيل الدكتوراه من السوربون، وتجمع له من ذلك كتابه المعروف عن ذكريات باريس!! ثم وفقه الله فوضع رسالته عن النثر الفني في القرن الرابع الهجري، وهو كما يعلم القراء أخصب عهود العصر العباسي وأحفلها بالإنتاج الفكري، والشخصيات اللامعة من ذوي النقد والصيال. وقد نال برسالته القيمة إجازة الدكتوراه في الآداب من السوربون. وأقيمت له ثلاث حفلات تكريمية بباريس والقاهرة والإسكندرية. ويخيل إلى أن كتاب زهر الآداب للحصري قد أوحى إليه باختيار موضوع رسالته، فهو سجل حافل بالآثار الفنية لأعيان البيان، وقد شرحه الدكتور وحققه، ووضع فهارسه وعرف بأعلامه، فأتاح له ذخيرة ثمينة تستحق العرض والتحليل، فأندفع إلى تسطير رسالته العظيمة، التي يعدها الأستاذ أحمد أمين أعظم آثار الدكتور وأجدرها بالاهتمام.
ولكتاب النثر الفني - على رغم مكانته المحترمة - نقدات توجه إليه، وقد اعترف بها المؤلف، ولعل أبرزها ما نلاحظه في أسلوب الدكتور عامة من سيطرة عواطفه وأخيلته على يراعه، في الأبحاث الفكرية الدقيقة، فقد ارتضى لنفسه أن يكون شاعرا في تحقيقاته العلمية أو يستمد وقودها من القلب والعقل والخيال. وقد قال زكي عن ذلك (وهذا عيب في التأليف ولكنه عيب جميل يقع من المؤلفات العلمية موقع الخال من خد الحسناء)
وحين عاد الدكتور من باريس لم يركن إلى الدعة والراحة، بل واصل حملاته الأدبية في مختلف الصحف، وكان له مع أكثر أدباء العصر الحاضر صيال وملاحاة، فهو يقرأ القصيدة أو المقالة أو الكتاب لغيره من الأدباء، فتنفسح أمامه طرق واسعة للاختلاف والنقاش ويثيرها معركة عنيفة، ينتشر غبارها في الأفق ويكثر حولها الضجيج والخصام، وقد حاولت أن أحصر جميع من ساجلهم الدكتور مبارك فأدركني العجز الذريع!! ومرت أمامي أسماء كثيرة لهؤلاء المتحاورين مع الدكتور في حومة النقاش، وفي طليعتهم أحمد زكي باشا وعبد الله عفيفي ويوسف الدجوي وسلامة موسى، وحسن القاياتي، ومحمد عبد