اللجنة الدكتور منصور فهمي أن الرسالة الجامعية محاولة عقلية يخطئ فيها الطالب ويصيب، وذلك لا يمنع من نجاحه بدرجة مشرفة. ثم انتقل صدى الرسالة إلى الصحف، فأندفع الدكتور مبارك يناظر الأستاذين الشيخ يوسف الدجوي والشيخ أحمد مكي وغيرهما من كبار العلماء مناظرة حادة، مهدت له طريق الشهرة والذيوع، وإن عادت على عقيدته ببعض الأوهام.
والحق أن الدكتور مبارك كان يحرص على مخاصمة الجمهور فيما يكتب ويذيع، فهو يتعمد مزالق الزيغ تعمدا، كأن له حظا في الثورة والضجيج. ألف في هذا الدور كتابيه (حب ابن أبي ربيعة)(ومدامع العشاق) فقذف بنفسه في مطارح مخيفة، إذ أسهب في الحديث عن النبوة والعشق، ومنزلة الهيام من الدين، مما يثير عليه النوازع، وإن جذب بذلك كثيرا من الشباب إلى رياض الأدب العربي، فهاموا بالشعر الجيد، والنظم البليغ، وعرفوا الكثير عن عمر وكثير وجميل!! وقد انتفع الدكتور بمختارات البارودي في فصول كتابه (مدامع العشاق) فنقل باقات عبقة من زهورها اليانعة وقدم إلى القراء كثيرا من رقائق أبن رزيق والطغرائي وابن نباتة السعدي وأبن الخياط، بعد أن كانت الكثرة الغالبة من الشباب لا يتجاوزون البحتري والمتنبي وأبا تمام!!
وقد عين سنة ١٩٢٥ معيدا بكلية الآداب، وكان يشرح لطلابه كتاب (مغني اللبيب) في النحو بتكليف من الدكتور طه حسين. وأكد صلته في هذه الفترة بجريدة البلاغ فكان يكتب الصحيفة الأدبية بها دون انقطاع. ولم يعش في ماضي الأدب القديم، بل أخذ يتابع الحركة الفكرية في مصر ويتعهدها بالنقد والجدل العنيف. وقد كتب فصولا طويلة عن شوقي ومعارضاته للشعراء، وهي مجموعة في كتابه (الموازنة بين الشعراء) مع أخوات لها تشابهها في التحليل والاستنتاج، وقد لاحظت وأنا أطالع هذه الموازنات تعصبا ملموسا لشوقي من زكي فهو يفضله دائما على من يزنه به، وكنت أعجب حين أجد المبارك لا يستر ميوله الشخصية عن القراء، وأحار في تعليل ذلك، حتى عرفت من بعض ما كتبه الدكتور، أنه أخذ مبلغا كبيرا من ذهب أمير الشعراء، فرفعه إلى السماء. ولست أريد أن أخفض من قيمة المعارضات الشوقية، فهي تحتل مكانها في التاريخ الأدبي دون نزاع، ولكني أعلن أن الدكتور قد خلع عليها من الإطراء ذيولا ضافيات.