تزل، من الأقطار المجهولة الوعرة، ولا سيما في الأزمنة المتأخرة حينما أصبحت مقدسة في نظر أصحابها، ولا يجوز للرواد والرحالين الأجانب أن يطئوا أرضها، قصد الاكتشاف والتنقيب في طلولها الدوارس).
وقد توفق نفر من السياح الأوربيين وعلمائهم إلى التوغل في بلاد العرب، بعد أن خاطروا بحياتهم وقاسوا من المشاق والأهوال ما لا يوصف، بيد أنهم نالوا مبتغاهم أخيراً، واكتشفوا مواقع المدن القديمة، ونسخوا كتابات عديدة وجدوها مطمورة في الأنقاض ومسطورة على الجدران المتداعية. وفي متاحف أوربا ودور كتبها آثار البلاد العربية المنقوشة على الحجر، وعلى ألواح نحاسية، وعددها يبلغ اليوم نحو ثلاثة آلاف عادية. ومن العلماء الذين جاهدوا جهاد الأبطال في الوقوف على مجاهل هذه البلاد الدكتور غلازر فأنه راد الديار العربية الجنوبية ثلاث مرات، ونسخ في خلالها من الصور والكتابات التي عثر عليها في رحلاته ١٠٣١ صورة حملها معه إلى مسقط رأسه، وبينها آثار نفسية، ولأكثرها فائدة تاريخية عظيمة، إذ وقفت علماء الآثار على ما كانوا يجهلونه من تاريخ هذه البلاد ومدينتها في جاهليتها.
لقد استفاد الباحثون المدققون فوائد شتى من أنباء تلك الكتابات ومن غيرها أيضاً، حتى تسنى لهم أن يكشفوا النقاب عن أصل السكان القدماء، ويزيلوا الغموض والإبهام عن تاريخهم ويستقصوا أخبار الأمم الغابرة، وما كانت عليه البلاد العربية من الحضارة والتجارة في العصور العريقة في القدم، واليك ما قاله الأستاذ سايس:(إن ماضي تاريخ شبه جزيرة العرب المظلم قد انبثق فجره بغتة فسطعت أشعته وأنارت وجه المسكونة، فقد وجدنا أن البلاد العربية كانت قبل عصر صاحب الشريعة الإسلامية بزمن مديد أرض الثقافة والأدب والحكمة، وكانت موقع ممالك ودول قوية بلغت شأواً بعيداً في تاريخ العالم القديم، وانتشرت في ربوعها تجارة واسعة) إلى آخر ذلك المقال البديع.
إن زيارة ملكة سبأ أورشليم ومثولها بين يدي سليمان ملك إسرائيل تعد من اللمع الأولى الواردة في الأخبار القديمة، وقد جاء ذكرها في سفر الملوك من التوراة، وكانت تلك الملكة العربية، ويظهر أنها قدمت من ديار كانت لها حضارة عريقة في القدم، ولها سطوة عظيمة بين الأمم، والهدايا التي قدمتها إلى سليمانتدل على أنها جلبت من حاصلات قطر اشتهر