بلبانه وأطايبه، وهذا القطر واقع في جنوب بلاد العرب، وقد عرف باسم سبأ أو شبأ في تاريخ العالم القديم.
انتشرت تجارة هذه المملكة القديمة العهد في أقطار العالم، امتدت إلى بلاد الحبشة والصومال حتى ساحل أفريقيا الشرقي، والكتابات الآشورية تؤكد ذلك، فقد ورد فيها أن سبأ كانت مملكة عظيمة في القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت تخومها تحاد تخوم مملكة نينوى من جهة الشمال في عصر (ثغلث فلاسر) وسرجون الثالث، فيستفاد من هذا النبأ وغيره أن بلاد العرب كانت مملكة قديمة جداً، وقد تدرج الحكم فيها من الملوك الكهنة وحكومات المدن المستقلة ودويلات وإمارات إلى اتحاد مملكة عظيمة واسعة الأطراف فسيحة الأرجاء كالتطور السياسي الذي نشأ في مصر وفي بلاد الكلدان. وكان الملوك الكهنة يعرفون باسم (مكارب) كما جاء في بعض الآثار، وواحدهم (مكرب) ويراد به رئيس كهنة السبئيين. وتدل هذه الكلمة على أن الحكم الأول كان عبارة عن دولة تحت رياسة الله (طقراسيه)، هذا ولفظة سبأ اسم آله أطلق على بقعة في بلاد عربية، كما أطلقت كلمة أشور على صقع في بين النهرين وتفيد معنى الآله.
ورد في بعض العاديات أن مملكة سبأ القديمة تأسست على أنقاض دولة أقدم منها عهداً نشأت في هذا الاقليم وعرفت باسم معين، فقد عثر الباحثون المنقبون على أسماء ٣٢ ملكاً من السبئيين والمعينيين، وهذا عدد كبير لا يستهان به، بالنسبة إلى قلة المكتشفات الأثرية في تلك الأصقاع. وجاء في بعض الكتابات أن سلطة بعض الملوك المعينيين لم تكن محصورة في المنطقة الجنوبية بل منتشرة في كل بلاد العرب حتى تخوم سورية ومصر؛ ويؤيد ذلك كل التأييد عثور المنقبين على ثلاثة أسماء من أولئك الملوك في أطلال تيماء الوارد ذكرها في العهد القديم من التوراة في الطريق المؤيدة إلى بلاد الشام وسيناء. وفي البلاد العربية الجنوبية وجدت صحيفة نذر جاء فيها أن أصحابها يشكرون الآله (اطار) على نجاتهم من الحرب الناشبة بين حاكم الجنوب وبين حاكم الشمال، وخلاصهم من القتال الواقع بين مظة ومصر، ويحمدون الآله على عودتهم سالمين إلى مسقط رأسهم مدينة قوران؛ وأصحاب هذه الكتابة يصرحون بأنهم كانوا تابعين لملك معين المدعو (رابي - يدعى - ياثي) وهو أحد حكام بلاد تسار وأشور ووراء ضفة النهر.