للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد ورد اسم تسار مراراً عديدة في الآثار المصرية كحصن قائم في جهة الحدود العربية، وموقعه يمثل اليوم طرفاً من قناة السويس. هذا وكتابة أخرى تشير إلى غزة، ويظهر من مضمونها أن سلطة الحكام المعينيين امتدت إلى أردم فبلغت فلسطين وما جاورها من البقاع، والقبائل القاطنة فيها خضعت لسلطانهم. وقد أسست المعاقل في البراري والقفار للمحافظة على طرق المواصلات، وأنشئت المدن العظيمة في تلك الأصقاع النائية لتوسيع نطاق التجارة والعمران منذ القدم، لأن سيل التجارة بين الشرق والغرب كان متدفقاً بعضه يجري بطريق البحر الأحمر وبطريق خليج فارس، ومن أطراف هذه المياه الشرقية ينتقل إلى البحر المتوسط، وبعضه يسير في طريق القوافل مجتازاً آسيا.

وكان الاستيلاء على أحدها هذه الطرق يعد طريقة ناجحة في ترويج التجارة وباباً للمواصلات مع ممالك عديدة، فان سليمان ملك إسرائيل لما عقد معاهدة مع مدينة صور أخذت تجارة مملكته تنتشر انتشاراً مطرداً حتى بلغت شأناً عظيماً، ونالت شهرة واسعة، فقصدها التجار الأجانب من كل فج وناحية، والحروب التي وقعت بين المصريين والآشوريين والحثيين والعيلاميين والبابليين كان منشؤها السيطرة على طرق المواصلات، ليتسنى للدولة القابضة على أزمة تلك المسالك أن تروج تجارة بلادها أولاً ثم تفرض الضريبة على البضائع والأموال التي تمر في أراضيها، وبهذه الوسيلة يزداد إيرادها وتقوى شوكتها.

كان للبلاد العربية موقع تجاري مهم، وكانت مركز اتصال بين الشرق والغرب تحميه الصحاري الرملية الوعرة من هجوم الأعداء وتوغلهم في قلب الجزيرة، وتكتنفه البحور فتدفع عنه غارات الدول؛ وكان للأصقاع الجنوبية تجارة واسعة وشهرة عظيمة، فان اللبان والأطايب كانت تصدر بمقادير كبيرة تنفق في أسواق العالم المعروف في ذلك الزمن القديم، وكانت توقد في الهياكل والمذابح والمعابد في قصور الملوك والأمراء وفي دور الأغنياء، ولم يمكن الاستغناء عنها بوجه من الوجوه، لأنها كانت مفروضة في الديانات القديمة كالقرابين والذبائح. فإذا تناولنا مثلاً هيكل سليمان نجد أن فيه كانت تقرب الذبائح ويوقد البخور لتستعطف (يهوه) رب الجنود، ومثل ذلك كان يجري في ألوف من الهياكل والمعابد المنبثة في أطراف آسيا، وكان يجلب معظم اللبان والأطياب المستهلكة في الأماكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>