وقد ذهب الكاتب المحقق صموئيل لينغ أن سبب رواج تجارة اللبان والأطياب في الشرق كان لتعطير هواء الهياكل والمذابح والمعابد حيث يكثر فيها ذبح الذبائح وإهراق دماء الكبوش والعجول وتنتشر في أطرافها غازات فينتن المكان ويفسد الهواء؛ ومما لا ريب فيه أن أحسن اللبان وأنفسه كان يجلب من بلاد العرب. وقد عثر أحد المنقبين على صفيحة جاء فيها (إن الروائح العطرية والأطياب السبئية يفوح شذا عبيرها في السواحل العربية الميمونة).
أن للمكتشفات الأثرية في بلاد العرب فوائد جمة لأنها وقفت طائفة من العلماء البارزين على كثير من أنباء هذه الأمصار وعادات أهلها وأسباب اتساع التجارة التي كانوا يتعاطونها مع الديار الدانية والقاصية. وقد أرشدتنا كتابات العاديات إلى أن بلاد العرب عريقة في القدم، ومن ربوعها نزح طوائف من الناس ومصروا دياراً أخر. وكان للبلاد العربية حضارة وعلم وأدب، ولكتابها حروف هجاء خاصة بهم، وأسلوب كتاباتهم يرتقي إلى عهد الكتابة المصرية القديمة وإلى الخط المسماري؛ وقد سبقت بأزمنة طويلة أقدم صور الكتابات بالحروف الفينيقية. وفي عام ١٨١٠ اكتشف سيتزن أول كتابة عربية فنسخها ونظمها وصفها حسب الحروف الحميرية المنسوبة إلى حمير. وقد قال العلماء إن لغة تلك الكتابة كانت سامية، وحروف هجائها تماثل الحروف الحبشية، ويظهر أنها معدلة على الحروف الفينيقية وهي مكتوبة بصورة عمودية بدلاً من الأفقية.
وقد أدت مكتشفات وأبحاث الدكتور غلازر إلى أن الكتابة الحميرية قائمة على نوعين أو مجموعتين من الكتابة: فالأولى كانت أقدم من الثانية، وتتضمن حركات أصلية وصور وأشكالاً نحوية وقد عهدها المستشرقون كتابة معينية، بينما قالوا عن الكتابة الثانية إنها سبئية، لأن لهجتها وصورة كتابتها تدل على أنها أحدث عهداً من شقيقتها. وظهر ظهوراً بيناً أن قواعد الصرف والنحو وأنواع العلوم والآداب العلمية المعينية سبقت آداب وعلوم السبئيين بزمن وافٍ بحيث أصبحت الأخيرة قابلة لتغيرات عديدة طرأت على مفردات لهجتها ومحصت صرفها ونحوها من الشوائب والزوائد، وليس في هذا التبدل العجيب يد أجنبية فعلت فعلها الأدبي في فتوحها هذه البلاد، بل يرى جمهور المحققين أن القبائل