والفريق الأخير هو المدرسة التجديدية التي أصحابها من المسلمين المثقفين الآخذين من الطريف والتليد على السواء، وهؤلاء هم طلائع الأغيار على تراثنا المجيد الذين سارعوا إلى رد المضللين إلى جادة الصواب في رفق المؤمن وتؤدة العالم. وهذا الفريق هو الذي يعور كتيبة الثقافة الإسلامية التي جندت رجالا يحجزون الفتنة في أقماع السمسم كلما أطلت بقرنيها.
وهم - لاختلاف مشاريعهم الثقافية - يختلفون منهاجا وأسلوبا، ومن هنا تكون الطاقة الثقافية مميزة للواحد منهم عن الآخر، ومن وراء ذلك كله تتوفر لدى القارئ ذخيرة قيمة من المعلومات فضلا عن الأثر الموصول بين المؤلف والمطلع.
وفي الرعيل الأول من هذا الفريق مولاي محمد علي رئيس الرابطة الأحمدية لإشاعة الإسلام بلاهور مؤلف كتاب (محمد رسول الله) الذي اضطلع بنقله عن الإنجليزية الأستاذان مصطفى فهمي وعبد الحميد السحار.
ونحن إذ نقدم هذا الكتاب القيم إلى القراء على صفحات الرسالة الغراء يلزمنا التنويه بفضل المؤلف والمترجمين جمعيا.
وليس من شك في أن علماء الباكستان يعلون علوا كبيرا في مباحثهم الإسلامية التي يطلعون بها على العالم بين الفينة والفينة، وهذا مولاي محمد علي يسير في كتابه هذا في فلك فريد سواء في طاقته العلمية أو المنهجية، فهو - على خلاف المؤلفين في السيرة - يصدر عن ذخيرة وفيرة من الاطلاعات والبراهين، فجاء كتابه هذا ثمرة طيبة لمجهود عميق دقيق على سعة في الأفق، وتسلسل في الاستدلال، واعتزاز في الرأي في غير اغترار، وبشخصية عاملة ناقدة.
ويبلغ به الحرص على دفع فرية إلى حد الاستباق إلى تكذيب واقعة تاريخية أجمع عليها المؤلفون الأولون في السيرة، فيتهجم على الواقعة، ويمضي في الإلحاح على زحزحتها بكافة البراهين المنطقية والأسانيد الصحيحة حتى يخرج من المعركة ظافرا، فيشعر القارئ البريء بأنه قد نجا من فتنة ووهم وضلال، ما كان لينجو منها لولا هذا الصراع الفكري العنيف الذي قام به المؤلف البطل.
تابعت المؤلف في جميع فصول الكتاب، فوجدته قد نأى بقلمه عن الاستدراكات