والاستطرادات التي تعوق عن الهدف، وتشتت الذهن، وبذلك لم يكن من طائفة المقلدين الذين يقعون في أخطاء المؤلفين القدامى.
ومما حرص عليه مولاي محمد علي تجنب كثرة الردود على الخصوم في ثنايا الفصول، ولكنه اضطر في أكثر من مناسبة إلى إزهاق باطل شائع في أذهان الأوروبيين وهو أن الإسلام لم ينتصر إلا بالسيف، فكان لا بد من تحين كل فرصة لدحض هذه الدعوى وإبطالها بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمتاز أيضاً بسعة اطلاع جعلته يعقد مقارنات بين ما ورد في التوراة والإنجيل وبين ما تحقق منهما من نبوءات بمحمد الرسول الغازي، ولذا فهو يعمل على تجميع الخطوط الرئيسية حول حادث ما.
ولقد تجلت مزاياه الثقافية، وحججه البارعة في (غزوات النبي) و (دعوى المثلة الكاذبة) و (مميزات النبي الصالح). ففي هذه الفصول بنوع خاص، ارتفع مولاي محمد علي من المستوى العادي في تحليل الجهاد في الإسلام، ونفى نفيا حاسما حوادث اغتيال قيل إن النبي هو الآمر بها، وأجمعت عليها روايات الثقات، كما استبعد فكرة (العزل) عن نساء السبي، وفي هذا كله يصدر عن (ذوق إسلامي) مرهف مؤيد بالمنطق الثابت والسند الصحيح؛ تبرئة للنبي مما قد يعلق بالوهم من شبهة، لو تركت قد تنقلب مع التبرير إلى شريعة.
وفي الحق أن الأستاذ السحار وزميله قد خدما الثقافة الإسلامية أجل خدمة بترجمتهما هذا الكتاب القيم الذي سد نقصا كبيرا في المكتبة العربية المعاصرة، وذلك لاختيارهما في هذه الترجمة أسلوبا سهلا يتمشى مع سهولة الأداء التي حالفت المؤلف في هذا الكتاب.
ومن دواعي التوفيق إلى هذه الترجمة الدقيقة الرشيقة أن الأستاذ السحار أديب إسلامي مطبوع؛ فهو مؤلف ومترجم ومؤرخ وناقد وقاص. وله في كل مجال من ذلك مكان مرموق وهو - بالاشتراك مع محمد فرج - مترجم كتاب (الرسول) لمؤلفه بودلي الذي يعد من الفريق الأول، ثم أن الأستاذ السحار هو مؤلف هذا الكتاب القيم (المسيح عيسى بن مريم) الذي نأمل أن نقدمه للقراء قريبا.
لقد أفاد السحار حقا من اطلاعه على أمهات كتب السيرة فكان تعاونه مع زميله صادقا ودقيقا في ترجمتهما كتاب (محمد رسول الله) ومما يجدر بنا التنويه عنه قول النبي يعاتب