للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والطبقات. فقطفا من ثمار الجنة على غفلة من الأفعى حتى استيقظت، فذهبت تسعى بينهما وبين الناس لتخرجهما من فردوسها الجميل.

ذلك أنه كان بين ماريوتو وبين أحد النبلاء من سادة سينا عداوة، فاستطاع الشيطان المغيظ أن يؤجج جذوتها بالوقيعة بين الخصمين. . ولم يلبث الجدال أن صار نضالا. . ثم تماسكا. . ثم وكزه ماريوتو فقضى عليه.

وكان عليه بعد هذا أن يفر من الدولة أو يدفع رأسه ثمنا لجريمته، فلبث حيناً مستخفيا عن أعين الناس، فلما ضاعت جهود رجال الشرطة سدى في البحث عنه صدر الحكم عليه بالنفي المؤبد.

وقد تكلمت الدموع ساعة الوداع، وضم الحبيب حبيبته يتنفس في صدره، ويتزود لفراق طويل لا تنتهي مرارته، وليس معروفا مداه!

يا لقسوة المقادير توقظ المحبين من سبات عميق كله أحلام!

لقد راح كل منهما يرنو في عيني صاحبه المغروقتين بالدموع، وكلما هما بالفراق انجذب بعضهما إلى بعض في لوعة وفي شجن فترف الشفاه المعذبة على الخدود المحترقة، هائمة حائرة تلتمس العزاء ولا عزاء، وتنشد السلوان ولا سلوان.

ولقد كان صدر أحدهما يكلم صدر صاحبه بدقات القلب وخطرات النفس ووجيب الروح، حتى سكتت القبل، لأنها لا تغني في ذلك الحال شيئاً، وصمتت الأعين. . . لأن الفراق الذي لم يكن منه بد قد حم.

وطمأنها ماريوتو، فذكر لها أنه نازح إلى الإسكندرية ليقيم عند عمه المثري الغني، وأنه سيكتب إليها من هناك ليتصل القلبان على ذلك البعد، ثم أكد لها أنه لا بد عائد إلى إيطاليا الجميلة وواصل وإياها حبه، ولو كلفه ذلك حياته.

وفي غمرة من الحزن، وثورة من الأسى والفجيعة، افترق الحبيبان، وفي نفسيهما مرارة، وفي حشاهما هم ووجد وألم.

وانطلق ماريوتو إلى شقيق له فكشف له عن سره، وبثه شكواه، وتوسل إليه أن ينشر ظل حمايته على زوجته، وأن يكتب له عن أحوالها، وأن يكون حارسها بالنيابة عنه. . . حتى يعود.

<<  <  ج:
ص:  >  >>