للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قضية تؤيدها الكتابات المصرية القديمة العهد، فان ما دون في بطون الأسفار عن حسن الجوار بين هاتين المملكتين يخالف ما جاء مسطوراً على الحجر من عبارات النفور والكراهية الموجهة إلى سائر الأمم المجاورة لمصر كالحيثيين والليبيين والزنوج وغيرهم؛ فأن المصريين كانوا يلقبونهم بالبرابرة، والوحوش الضارية، والأوغاد والأنذال، وهذه شهادة ناطقة ثبت ما كان للعرب القدماء من الشهامة وعزت النفس وإغاثة الملهوفين.

وقد جاء منقوراً في بعض الآثار أن طائفة من السفن التجارية أبحرت إلى ديار البنط في عصر الملكة العظيمة (هتسو) وهي إحدى ملكات الدولة التاسعة عشرة، وكانت الغاية من تلك السفرة مبادلة البضائع بين القطرين دلالة على الولاء والصفاء. وعادت تلك السفن إلى مصر مشحونة بالسلع النفيسة، حتى أن ملك تلك الديار وزوجه رافقا ذلك الأسطول التجاري، وحملا معهما هدايا لا نظير لها إلى فرعون مصر. ويظهر أن محالفة تجارية كانت معقودة بين البلادين، وأن سفن هاتين الدولتين تمخر في البحر الأحمر وفي سواحل أفريقية منذ القدم.

أن رسوم رؤساء البنط الطبيعية المنقورة على الأنصاب المصرية تشبه كل الشبه الرسوم الطبقة المالكة في ديار مصر في عصورها الأولى، وجميع الأدلة تحملنا على الاعتقاد أن وطن الساميين الأول كان في الجنوب الغربي من آسيا. وقد ذهب جماعة من المؤرخين إلى أن جزيرة العرب كانت مهد الأقوام السامية قبل عصر التاريخ، فأن الباحث يرى أثارهم ظاهرة في كل صقع كشعب مهاجر أو فاتح أو غاز سكان بلاد أخرى أقدم منهم عهداً ويختلفون عنهم في اللسان والعادات والعنصر؛ غير أن الأمر لم يكن كذلك في بلاد العرب، فأن أهاليها كانوا أصليين فيها. فإذا أخذنا مثلاً ديار الكلدان والآشوريين نراها تمثل أقواماً وشعوباً وأمماً جاء عنهم في الأسانيد القديمة وفي الروايات المأثورة أنهم كانوا قد وفدوا على بين النهرين من الجنوب عن طريق خليج فارس، وعلى طريق بادية الشام من بلاد العرب، فأخذ هؤلاء النازحون شيئاً فشيئاً يتحدون بالشعب الشمري والأكدي بالمصاهرة؛ وبعد مرور أجيال عديدة تغلب العنصر السامي العربي على سائر العناصر، وأصبح سيد هذه الديار، وأسس حضارة جديدة في عصر

حمورابي ملك بابل العظيم الممدود أول من جمع وسن الشرائع في العالم القديم. بيد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>