بأية حركة ثورية أو عصيان مسلح ضده؛ لأن الإسلام عند الحسن واحد ووحدة، وإن هذه الوحدة لتستند إلى وحدة الحق والإيمان، وإن كل حركة ينجم عنها التصدع في هذه الوحدة، وإن كان مبعثها الحق فهي ليست بأسلوب صحيح يركن إليه ويتوسل به.
والمعروف عن الحسن البصري أنه غدا بين٨٦ - ٩٥هـ موضع ريبة موظفي الحجاج الذين صاروا يتحرون دقائق أعماله ويترقبون تصرفاته؛ حتى أضطر إلى الاختفاء والتواري عن الأنظار. وفي عام ٩٩هـ تقلد منصب القضاء في عهد عمر الثاني ثم استقال منه. وفي ١٠١هـ أنتقد بلهجة لاذعة في إحدى مواعظه الشهيرة حركة أبن الملهب التي قامت ضد الأمويين غير أنه لم يسلم في سلوكه هذا من التهجم عليه خلال حيلته، فذكر عنه أنه كان يلقي الناس بما يهورع ويتصنع الرياسة. وروي عن تلميذه أبن أبي العرجاء أنه لما قيل له لم تركت صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟ قال إن صاحبي كان مخلطا، كما يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر، وما أعله أعتقد مذهبا دام عليه ويقول عنه تلميذه أبوب السختيالي إن انفصال الحسن من القدرية كان خوفا من السلطة الحاكمة، وإن عدم اشتراكه مع ابن الأشعث في الثورة كان خوفا من أن تذهب عنه وظيفته الموجهة إليه. كذلك انتقده ابن سيرين لأنه يريد الكبيرة ولا يريد الخلود في النار أبدا.
هذا ولم يكن الحسن في عقيدته السياسية مكافحا من نوع صاحب الزنج في الثورة على النظام الاجتماعي، ولا مثل جان دارك في الدفاع عن استقلال الوطن، إنما كان أقرب مثيل إلى البابا بيوس التاسع في بعض جوانب تصرفاته، وبأبي العلاء المعري في جوانب أخرى. وكان في عصره من هذه الناحية نسيج وحدة. ويرجح أن كفاحه كان محددا بحدود صوفية معينة، وباعتبارات دينية واجتماعية أخرى تمسك بأهدابها، وجهد في السير على مقتضاها، وقد أوصى ابنه عبد الله أن يحرق كتبه ففعل ما أوصاه به والده، لذلك لم يرد لنا منه إلا النزر اليسير الذي ذكرناه فأشكل على الباحث تحقيق أمره، ولم يوف في التدقيق عن حقه، فنستميح القارئ الكريم عما يبدو من المقال من سطحية وضآلة مادة، فعسى أن نكون به حافزين. وداعين إلى دراسة طرف من أطراف التراث الإسلامي أو شخصية من شخصياته، لم تتكشف حقائقه مفصلة سافرة على ضوء المباحث القائمة على المنهج التاريخي العلمي الحديث.