والأستاذ الصعيدي ذو دأب وتجديد في التأليف بالأدب والدين، لا لطلابه فحسب، بل لجمهور المثقفين بمصر وبلاد العرب، فهو إذا عرض دراساته إليها لم نجد كفايته وإتقانه مقصورين على هذه الدراسة، إذ نراهما يتناولان جذور البحوث الدينية فتجيء مشبعة بالتحليل والاستقراء.
ففي كتابه توجيهات نبوية أو محمدية يبلغ المدى في فهم الحديث على الوجه الذي فهمه الصحابة فيه، ويقرر خلال الدرس والبحث نواحي المقارنة والمطابقة دون استطراد ينحرف بالقارئ أو تفصيل يضيق به كما اتفق لكثير من الشروح الدينية في زماننا. وأطرف ما وجدت في هذه الأحاديث تحليل المؤلف لحديث النهي عن سبب الدهر، ولعل الدهر لم يتحمل سبايا مثلما تحمل في زماننا، فالأفراد يلومونه ويرمونه بالجور والعدوان، والجماعات تعزو إليه أسباب الفشل في الحياة، ولو جمعنا شعر العرب من امرئ أتقيس إلى شوقي لأتينا على شعر لا يحصى في سب الدهر وملامته، ناهيك ما عند المعري من ذلك.
والنادرة الجميلة في هذا الحديث - إن صح أن يكون في الأحاديث نوادر - ما أورده المؤلف حفظه الله من تعليل لهذا الحديث وهو حث الإنسان على الرضى بما يصيبه في الدهر وعلى عدم الشكوى فيه من الدهر.
وقد علل وجود الشكوى باعثا على اليأس، نعم إننا قد نيأس لأن اليأس مخلوق في غرائزنا وشعورنا، فالطفل الرضيع يمارس اليأس دون فكر، والكبير يمارسه بفكر أو بفلسفة، ولا مناص منه للإنسان ليجد الرجاء ويفتح باب الأمل بمحاربة القنوط، غير أن العلة في النهي عن سب الدهر كالعلة في النهي عن اليأس. ولليأس درجات أنكرها وأقصاها ما نهى عنه القرآن.
كذلك نجد في هذه التوجيهات المحمدية ضروبا من الأحاديث الملائمة لعصرنا وأهله، فيها أدب وثقافة، وفيها هداية ووقاية، وقد فقد المؤلف باختيارها وشرحها إذ وضعها في قنديله، فشعت بنورها الجميل.