وأمر رسول الله بعد هوازن بالقبض على مجرم يقال له بجاد من بني سعد بن بكر فساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث فنعفوا عليها في السياق، فقالت:
- تعلموا (أي أعلموا) أني أخت صاحبكم من الرضاع فلم يصدقوها، فلما انتهوا إلى رسول الله قالت:
- يا رسول الله. إني أختك من الرضاع.
قال: ما علامة ذلك؟
- قالت: عضة، عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك فعرف العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه، وقال:
- إن أحببت فعندي محبته مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك.
فاختارت الرجوع إلى قومها.
ولعلكم تقولون: كيف كان هذا الاختلاط؟ كان على التصون والحجاب الشرعي، وعلى غض البصر، وامتلاء القلوب بالخوف من الله، وبالغاية التي تشغل عن شهوات النفس، ومع ذلك فإن الله علمهم درسا عظيما في ضرر خلوة رجل بامرأة ليس معهما ثالث، اتهمت فيه أشرف امرأة في الناس، وكاد الناس يصدقون التهمة، حتى أنزل الله براءتها من سبع سماوات.
هكذا كانت المرأة العربية المسلمة، جمعت أطراف الفضائل، وحازت خلال الخير، وكانت للدين والدنيا، للعلم وللأدب، للدار والحياة، كان هديها القرآن، ودليلها الشرع، وغايتها رضا الله، والنجاة في الآخرة.