من كسرى وأبعد الأسود.
ويذكر للرواة أن النعمان كان قد خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عدي بن زيد، فمرا على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها؛ فقال له عدي بن زيد: أبيت اللعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا. ما تقول؟ فأخبر عدي أنها تقول:
أيها الركب المخبو ... ن على الأرض المجدون
كما أنتمو كنا ... وكما نحن تكونون
فانصرف النعمان وقد دخلته رقة، فمكث بعد ذلك يسيرا، ثم خرج خرجة أخرى فمر على تلك المقابر ومعه عدي، فقال عدي: أبيت اللعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ إنها تقول:
من رآنا فليحدث نفسه ... أنه موف على قرن زوال
وصروف الدهر لا يبقي لها ... ولما تأتي به صم الجبال
رب ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
والأباريق عليها فدم ... وجياد الخيل تردى في الجلال
عمروا دهرا بعيش حسن ... آمني دهرهمو غير عجال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال
وكذلك الدهر يرمي بالفتى ... في طلاب العيش حالا بعد حال
فرجع النعمان وتنصر وكان من قبل يعبد الأوثان. وليس بعيدا أن يؤثر عدي في النعمان هذا التأثير؛ فقد مضى بيان ما بينهما من صلات وثيقة، وما قدم عدي للملك من جميل، وكان عدي أكبر سنا وأعلم، وكان له في نفس النعمان منزلة الوالد، ولذا فليس من البعيد أن يتنصر على يد عدي. وقد تنصر أبناء بيته أيضا، وبنوا البيع والصوامع، وبنت هند بنت النعمان بن المنذر ديرا بظهر الكوفة، يقال له دير هند.
وقد أحب عدي بن زيد هند بنت النعمان على فرق ما بينهما في السن؛ فقد كان عدي أكبر من أبيها النعمان، ومن شعره فيها
علق الأحشاء من هند علق ... مستسر فيه نصب وأرق
وفيها أيضا يقول:
يا خليلي يسرا التعسيرا ... ثم روحا فهجرا تهجيرا