عرجا بي على ديار لهند ... ليس أن عجتما المطي كبيرا
ويقول.
من لقب دنف أو معتمد ... قد عصى كل نصيح ومفد
ليس أن سلمى نأتني دارها ... سامعا فيها إلى قول أحد
ويذكر أنه يصبي ظباء مترفات، يرفلن في الدمقس، ويكفين شؤونهن، وهن بنات كرام، مطيبات بالعبير:
بنات كرام لم يربن بضرة ... دمى شرقات بالعبير روادعا
يسارقن من الأستار طرفا مفترا ... ويبرزن من فتق الخدور الأصابعا
ومن المقبول أن يكون قد سار حب عدي عند هند، وعرفه الناس، وتحدثوا به، وبلغ النعمان شيء من هذا. ويحدثنا عدي أن سلمى (هند) مهما نأت دارها، ومهما نهاه عن التعلق بها الناصحون أو اللائمون، فهو لن يسمع إلى قول أحد. ثم هو كان يدخل بيت النعمان، فكان يرى بنات كرام ممتلئات مطيبات بالعبير، وحين يدخلن كن يسارقن النظر بطرف مفتر، ويبرزن أصابعهن من فتق الخدور - ذلك لأنه كان يصبى الضباء النواعم المنشآت في الدمقس والحرير.
والنعمان رجل عربي، يحفظه أن يتعرض أحد لفتاته بذكر، أو أن يقول فيها شعرا. وعدي قد تعرض وقد قال الشعر. ولا يبعد أن يكون النعمان قد عرف هوية عدي، وسمع شعره، بطريقة أو بأخرى.
وقد أجمعت الروايات على أن عديا صاهر النعمان. وأكثرها على أنه تزوج بنته هند. وقد دفع عديا حبه هند أن يتلمس الزواج بها. وقد تزوج بها، وهي يومئذ جارية، حين بلغت أو كادت. وقد طلبها إلى النعمان بطريقة خادعة، وهي أنه صنع طعاما واحتفل فيه، ثم أتى إلى النعمان وسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه، ففعل، وسقاه عدي، فلما أخذ منه الشراب خطبها إليه، فأجابه النعمان وزوجه، وضمها إليه بعد ثلاثة أيام.
ولم يكن هذا الزواج موفقاً فيما يظهر؛ إذ كان فارق السن بين الزوجين كبيرا، فقد كان عدي أكبر من النعمان، وهو قد قومه ورباه، ومعنى هذا أنه كان في سن تجوز له أن يكون أستاذا كاملا جديرا بتهذيب وتقويم أولاد الملوك - ثم كبر النعمان، وتزوج، وأنجب. وبعد