هذا كله جاء عدي يخطب إلى العمان أبنته هند، وهي جارية، حين بلغت أو كادت. وجاء يخطبها بطريقة لا تليق بخطبة بنات الملوك، فقد أسكر النعمان حتى أخذ منه الشراب، وحتى أصبح لا يستطيع الاختيار ولا التعرف بمحض رغبته وملء إرادته، ثم طلب إليه أبنته.
وقد كان عدي شبب بهند، وقال فيها الشعر، وأعلن حبه، وعصى الناصحين فيها، فكأن الناس علموا بهذا الحب، فمنهم الناصح، ومنهم اللائم، ومنهم الدساس المتربص.
فكل الظروف التي أحاطت بهذا الزواج لا تهدي إلى التوفيق، فالتشبيب بالفتاة في العرف العربي - والنعمان عربي - سبب يمنع زواجها ممن شبب بها وتغزل فيها، ثم الطريقة لا تسوغ في عرف الملوك ولا غيرهم، ثم فارق السن لا يستهان به وبأثره في الزواج الموفق.
وقد يكون النعمان حين صحا من سكرته بداله غير الذي عقد، وبداله أن الزواج غير متكافئ وغير جائز، ولكنه قد ألزم نفسه بما قطعه عليها من قبول عدي زوجا لابنته هند، وهو قبول خير منه الرفض، وبشاشة خير منها العبوسة والاكتئاب.
وفي مثل هذه الظروف القائمة صحت الفتنة، أو هي تحركت، فقد كانت متيقظة من بعيد، يوم انحاز عدي في ديوان كسرى إلى النعمان، وفضله على سائر أخوته وبخاصة الأسود، وعمل على أن يكون ملك الحيرة بعد المنذر، ونجح فيما أراد وأختار، وأصبح النعمان ملكا، وأصبح هو صديق الملك ورفيقه في التنزه بظهر الحيرة في طريقهما المقابر، غاديين رائحين.