إلى ذلك، لأن التكوين الخلقي هو الدعامة الحقيقية للتنشئة، وهو الذي ترعاه رعاية تامة كل الأمم في تكوين أبنائها، وهو الذي وجهنا إليه الله تبارك وتعالى في وصف نبيه الكريم بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) وهو الذي عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
نبهت مرارا وتكررا في أكثر من ربع قرن من الزمان إلى ضرورة العناية بالتكوين الخلقي في المدارس، ورفعت التقرير تلو التقرير إلى المسئولين ناصحا ومنبها ومنذرا، ولكن الجميع كانوا يبحثون مندفعين وراء المناهج ووراء العلم فقد دون الأخلاق. ولقد جاء في تقريري المرفوع سنة ٢٨ إلى وزير المعارف لما بعث يسأل كبار رجال التعليم عن المناهج ما يأتي:
يا صاحب المعالي: مشكلة التعليم في مصر مشكلة معقدة يهتم لها الشعب وتهتم لها الحكومة اهتمامها بأهم أمور الدولة؛ لأنها أساس من الأسس العامة في بناء النهضة، وفي نظري أن مسألة المناهج ليست أهم شعب تلك المشكلة؛ فهناك نظم التعليم وما فيها من عيوب، وهناك المدرسون وكفايتهم، وهناك التعليم في مجالس المديريات، وهناك الارتباط بين التعليميين الأولى والابتدائي، وهناك مسألة تشجيع الكفاءات الخ الخ). وجاء في هذا التقرير (لا أراني مغاليا إذا قلت إن روح المنهج الجديد هي هي بعينها روح المنهج القديم، فالمدرسة الابتدائية وكذا الثانوية لا زالت منفصلة تماما عن البيئة المحيطة بها. . ونظرية حشد الأدمغة بالمعلومات البعيدة عن الحياة لا زالت متجسمة في منهجها الجديد، ولا زال كثير من التلاميذ يبغضون المدرسة وذكرها وكل ما له مساس بها، ولم يعمل المنهج الجديد شيئا في سبيل تحويل وجهة نظر التلاميذ والأهلين عن الوظائف والتوظف الخ الخ)
وجاء في مؤلفي سابق الذكر صفحة ١٩٣تحت عنوان عيوب التعليم الحاضر ما يأتي:
(هذا والمعلم القديم الذي باشر العمل في المدارس المصرية منذ عشرين سنة ولا يزال يباشره إلى اليوم يشعر بالأسف العميق أيضا؛ إذ يحس أن روح الجد والعمل من ناحية التلاميذ قد انقلبت إلى روح استهتار وقلة اكتراث وكسل يصحبها ميل شديد إلى الأخذ بأكبر نصيب من المتعة واللذة وحياة الطراوة والهزل، حتى حار فيهم المربون وضاقوا بهم ذرعا واستولى اليأس من إصلاحهم على قلوب الكثيرين، وأصبحت الحالة لا تطاق بين