فلما رأينا إنما هي ضربة من ... السيف أو إغضاء عين على وتر
عمدنا إلى أمر لا يعير والدي ... خزايته ولا يُسب به قبري
وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... ورائك من معدى ولا عنك من قصر
فان تك من أموالنا لم نضق ... بها ذراعاً، وإن صبر فنصبر للصبر
فقال معاوية:
- أراك أقررت بقتلك صاحبهم
وكره أن يقتله، وما كان له أن يعفو، ففكر ثم قال لعبد الرحمن:
- هل لزيادة ولد؟
- قال: نعم، المسور، وهو غلام صغير لم يبلغ، وأنا عمه وولي دم أبيه
- قال: أنك لا تؤمَنُ على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق. والمسوّر أحق بدم أبيه، فليرد هدبة إلى المدينة، فليجلس بها حتى يرشد المسور فيكون له حكمه في القاتل
وتنبه هُدْبة وسمع مرة ثانية صَلصَلة الحديد، وأحس بدنو الساعة التي يقف فيها على شفير الهاوية فأما إلى الموت، وإما إلى حياة. فجزع واضطرب، ثم أدركه من نعمة الإيمان ما يدرك كل مؤمن حاق به الخطر، فسكن وأطمئن، وراح يهدئ نفسه ويسكنها. . . ويقول:
عسى الكرب الذي أمسيت ... فيه يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف، ويفك عان ... ويأبى أهله النائي الغريب
فلما كان صباح تلك الليلة، لم يسمع في المدينة إلا نبأ واحد، يجري على كل لسان، ويلج كل أذن:
- اليوم يوم هُدبة - اليوم يسلم إلى المسوّر بن زيادة ليحكم فيه - إنه سيقتله - بل سيعفو - لن يعفو عنه - لن يقتله. . . .
وخرج الناس أرسالاً إلى الحرّة، فلم ير مثله من يوم، خلت فيه المدينة إلا من شيخ فانٍ أو امرأة عاجزة، وانتقلت بأهلها إلى الحرّة. . . .
وما هي حتى جيء بالرجل وهو مثقل بالحديد، وقد صدئ عليه وحجزه في جسمه، وبليت من دونه ثيابه. فماج الناس وإزدحموا بالمناكب، واشرأبت الأعناق، وارتاع النساء وأجفلن وعرتهن رعدة. . . ثم قاضت منهم العيون شفقة ورحمة