للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في هذا العرض السريع ما يلقى بعض الضوء على عملنا المجمعي ومنه نستخلص دروسا نافعة. وفي مقدمتها أن الأصل في المصطلح العلمي أن يؤدي بلفظ واحد، كي يتوفر لكل معنى رمزه اللغوي الخاص به. فلنتحاش إذن الدوال المتعددة للمدلول الواحد منعا لتكرار لا داعي إليه، وربما أدى إلى شيء من اللبس. والمصطلح المجمع عليه وإن لم يؤد المعنى المراد تماما سينتهي بأن يستقر ويستحضر مدلوله كلما ذكر.

ونحن أحرص ما نكون على أن نؤدي المعنى العلمي الجديد بلفظ عربي، فإن تعذر ذلك فلا ضير في التعريب، لا سيما إذا كانت الكلمة المعربة ذات صبغة عالمية، وهذا هو المنحى العلمي في مختلف اللغات. ومن ذا الذي يذكر مذهب ليبتنز مثلا ولا يذكر معه كلمة مناد إنا نراها في اللغات الأوربية على اختلافها دون تغيير أو تبديل.

وما يقال عن الألفاظ يمكن أن يقال عن الأساليب. فإذا كانت المعاني المفردة تجدد فإن المعاني المركبة التي تعتمد على الرابطة والإسناد تتجدد أيضاً. وإذا كنا نحس بحاجة إلى ألفاظ جديدة، فأنا في حاجة أيضاً إلى أساليب جديدة. قد تصادف هذه الأساليب من الرفض والمعارضة ما تصادفه الألفاظ المبتكرة، فتستنكر حينا وترد حينا آخر. بيد أنا إذا كنا في حل من ابتكار اللفظ فلا غضاضة علينا في ابتكار الأسلوب، ما دام يلتقي مع الأوضاع العربية. والفكر، في خلقه وابتكاره، في حركته وتنوعه، يتطلب دون انقطاع من الألفاظ والأساليب ما يؤدي المعاني المختلفة والمتنوعة.

وأخيراً إنا نعيش في عصر من أخص خصائصه محاولة الاقتصاد في المجهود الجسمي والذهني وذلك لتزاحم الأعمال وضيق الوقت، وكلنا يود أن ينتج أكبر كمية ممكنة في أقصر وقت ممكن. وأنفع الحقائق ما يمكن توصيله عن ايسر السبل وأقربها. وإذا كان العلم قد اتسع صدره قديما للدراسات الطويلة والمجلدات الضخمة، فإنه يعنى اليوم بإحكام المعنى والمبنى. وإذا كان الأدب يباهى فيما مضى بالسجع والترادف والكناية والمجاز، فإنه أضحى يحرص الحرص كله على السهولة والجزالة والدقة والوضوح

هذه هي روح العصر، وتلك هي مقتضياته، ولا سبيل للخروج عليها

إبراهيم بيومي مدكور

-

<<  <  ج:
ص:  >  >>