للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كبير يأخذ الرشوة جهاراً نهاراً ليغلب عطاء شركة على أخرى أو ليعمل عملاً في تغليب باطل على حق. وكم قرأنا في الصحف والمجلات عن نكبات نزلت بالناس أو خسارات فادحة أصابت موارد الحكومة بسبب التزوير والاختلاسات! ثم إن هذه النكبات الكثيرة التي تقع على رأس الشعب والحكومة نفسها لم تعد تقع من أفراد معدودين غير متعلمين كما كان الحال منذ نصف قرن من الزمان قبل تغلغل روح الفساد الغربي في صفوفنا. . ولكنها مع الأسف تعددت وتكررت من كثيرين من متعلمي مدارسنا وجامعاتنا حتى أصبحت لا نطاق ولا تحتمل وأصبح العلاج عسيراً. ثم هو يزداد كل يوم عسراً على عسر كلما تراخينا في وضع الخطة السلمية لإيقاف هذا التيار المزعج المدمر لحياة الأمة وكيانها. فبالله عليك كيف يطمئن الشعب على حقوقه وهذه حال متعلميه أو حاكميه! وبالله عليك هل تجدي القوانين التي تقننها الدولة وتنشرها حبراً على ورق كل يوم لحفظ الحقوق بين الناس وصون العهود واحترام العقود ما دام الكثيرون من المشرفين على تنفيذ تلك القوانين لا يأبهون بها.

ولا يرعونها إلا بقدر ما يملأون به بطونهم ويحشون به جيوبهم؟ وكيف يستطيع والحالة هذه معلم مهما كان قديرا أن يؤدي واجبه في هذا المجتمع الفاسد؟ سيضطره مثل هذا المجتمع إلى أن يجاريه ليعيش فيصبح مثلاً سيئاً لتلاميذه مخالفة أعماله لأقواله، ومهما ألقى على تلاميذه من تعاليم ونصائح ومهما ذكر لهم من عظات وأمثال ومهما ذكرهم بقول العرب (تجوع الحرة ولا تأكل بثديها) فإنهم سيتشككون في تلك الأقوال والأمثال ولا يؤمنون بها ويستحلون لأنفسهم ما ينافيها، وسيضطر مثل هذا المجتمع المعلم إلى أن ينسى أو يتناسى كل ما حفظه في كتبه وتلقاه على أساتذته عن نبذ الرذائل والتحلي بالفضائل، وسيعمل كما يعمل غيره مكرها أو راضياً وسط زوابع الغلاء المرير للحصول على المال الذي يقوم بأوده هو وأسرته من غير وجهه المشروع. وستكون تعاليمه لتلاميذه تعاليم فارغة تافهة لا روح فيها ولا جدية لأنها تصدر منه عن قلب غير مؤمن بها؛ فإذا طالبهم بالصدق في القول والأمانة في العمل شعر في صميم قلبه بالرياء الذي قد يحز في قلبه بادئ ذي بدء؛ ثم يصيره التكرار مع الأسف عادة فيه. وإذا طالبهم بالصراحة والشجاعة والمثابرة على العمل وإتقانه في سبيل النجاح ناقص نفسه لأنه لم يعد يؤمن بأن هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>