ولكن حياتي لا يمكن ترميمها ولا استئنافها. إنك تتكلم عن الحق والواجب وأنا لا أعرف إلا حقاً واحداً: هو السهر على أولادي، ولا أفهم إلا واجباً فرداً: هو واجبي نحو أبنائي الثلاثة. . قال الصديق الخاطب:
- أولاً تشعرين أني أحبهم هم أيضاً وأعزهم وأحنو عليهم كأبيهم صديقي الراحل. . .؟! ومن لعمري سيحل محل الأب الراحل إن لم يحله صديق أبيهم وصفيه؟ وهل غيري يعرف ميول صديقه وذوقه ومشربه في التربية والمسلك؟ وإذن فهل تسمحين يا سيدتي أن أشغل مكان الأب الراحل؟ أترضين أن تكوني امرأتي أمام الله والناس.
قالت الأرملة في حسرة وتلدد:
خلني الآن لشأني. . . هلا جنبتني الكلام في هذا الموضوع.؟! إنه ليؤلمني البحث فيه ويسبب لي كثيراً من الشجن والشجو.
لا أعرف شيئاً. ولا أفهم شيئاً. لست بمستطيعة أن ألمح في قرارة نفسي المظلمة عاطفة أستطيع منها إجابتك على سؤالك لأني أجهل نفسي. . . ولكني أعدك أن جوابي سيكون بعد قليل من الزمن. . . أما الآن فلا أستطيع، أجل لا أستطيع. . فأجاب جورج فوكولت:
- سأنتظر كلمتك كما تشائين وأنى تشائين: إنك إلا تقولي (لا) هذه اللحظة فبحسبي، لأن ذلك معناه أنك قد تتبصرين خلال سجوف المستقبل الكلمة الحبيبة إلى قلبي وهي (نعم). إن التردد والتحير مؤلمان للقلب مزهقان للروح إذا لم يكن القلب المنتظر في شرخ شبابه. قال ذلك وأبان لها عن طرف لمته وقد طرزتها سنوه الأربعون بأسلاك الشيب البيضاء. فأحست المرأة الأرملة وهي تتأمل وخطات الشيب في رأسه، وتنظر إلى أثر التأنيب الصامت من عينيه السوداوين: أن موسيو جورج إنما يقيس سعادته في هذه الدنيا بمقياس ما بقى له من سنين فيها، وكأن نظرته كانت تقول لها، إن ما يطويه الشباب اللاهي من متع ومباهج لا ينشرها كفن المشيب مهما يمتد ويضف ثوبه. ثم يستأنف حديثه ويقول:
- إنه إحسان منك على أي حال أن تحددي لقلبي الشهيد موعداً للجواب كي أغادرك وأنا أقول لنفسي من يوم لآخر ستوافيني نعمة جوابها في يوم كذا. . (كاترين)، أيتها العزيزة، اختاري بنفسك اليوم الموعود وعيني تاريخه، وليكن القرب والبعد على ما يوافق رغبتك