للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لويس، لا تضعي في هذا الغداء مقعد المرحوم زوجي على المائدة، بل عليك أن تضعي مكانه مقعدا لجورج فوكولت. . .

وحان وقت الغداء واتخذت العائلة أمكنتها حول المائدة، ولكن (شارل) الصغير ما كاد يرى المائدة والكرسي الجديد بدل كرسي أبيه المتوفى حتى حملق في وجه أمه وقد امتقع وجهه وانتسف لونه أولا ثم احمر واشتعل بالدم الملتهب. ونظرت إليه الأم برعب وهيبة، ثم صبغ وجهها الاحمرار هي أيضاً. ولكن في تلك اللحظة الرهيبة الحرجة جرى أمر زاد أمر زاد في اضطراب مدام ليجيه وارتباكها ثم حيرها، ولكنه في الوقت نفسه أجرى المسألة في مجرى حسن لم تكن تتوقعه مدام (ليجيه). فبينما كانت تتناول بيدها مسند مقعد كي تجلس إلى المائدة إذا (بشارل) ولدها يلقي عليها نظرة تفيض بالحنان والشكر ثم تخضل عيناه بالدمع الذي لم يكن منبعه الحنق عليها ولا الغضب منها وإنما هو الامتنان منها والشكر لها. . . ولكن عن أي شيء صدر هذا الامتنان؟! نجم مما صوره له وهمه دون أن يتظننبالحقيقة الواقعة فلم يلاحظ الولد الطيب صورة المفاجأة والدهشة التي بدت على وجه أمه، ولا نظرات الارتباك المتبادلة بينها وبين الخادم، فقر في ذهنه أن أمه قد تبرعت له بمكان أبيه مراعاة له وتبديد لظنونه السابقة في وفائها لأبيه، لهذا أحتل مقعد أبيه أو الكرسي الذي وضع للخاطب (جورج فوكولت) محل كرسي أبيه، وقلبه يخفق من الفرح والشكر وحلقه غاص من الذكرى والحنين. . . وانتهى الغداء وخلا المكان (بشارل) وبأمه فضم (شارل) أمه إلى صدره بشوق وشكران وراح يقول لها وقد أرخى لعبراته العنان حتى بللت وجه الأم المسكينة الحائرة.

- آه، شكراً لك ألف مرة يا أماه. فقالت أمه في حيرة:

- ولكن لم هذا الشكر يابني؟! فقاطعها دون أن يترك لها الفرصة لمتابعة حديثها:

- أشكرك لأنك أحللتني محل أبي على مائدة الطعام في اليوم الذي تخلعين عنك فيه ثوب الحداد. إنك لا تدرين أي جميل أسديته إليَّ وملأ به قلبي الحزين. . . آه. . . ولكن يجب أن أعترف لك بصراحة. لقد كنت منذ زمن أشك، بل أخاف من تصرفاتك فاغفري لي الآن هذه الشكوك والظنون. . . نعم كنت أخشى أن تسنح لك في يوم ما فكرة الزواج لأنك ما تزالين صبية. ولقد أبصرت ثلاث أمهات من أمهات رفقائي في المدرسة يتزوجن ويسلمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>