والذين عاشوا مثلي في ربع القرن الأخير، قد تلوح لهم بشائر الأمل أقوى وأضخم من الشباب اليافع الذي لم يشهد ذلك الماضي. . إن هذا الشباب بطبيعته عجول لأنالطاقة الكامنة في كيانه تريد لها متصرفا سريعا. وهو ينظر فيرى عقبات جمة، ولكنه لا يعرف أن العقبات في الماضي كانت أضعاف ما هي اليوم، فتذاوبت شيئاً فشيئاً، بحيث لا تقاس اليوم إلى ما كانت عليه منذ ربع قرن فقط. أما الذين عاصروا تلك الفترة الماضية مثلي، فيعلمون أننا قطعنا شوطا بعيدا جداً في ذلك الزمن الوجيز.
إن أقصى ما تلاقيه فكرة التكتل الإسلامي اليوم من سوء استقبال، هو أن يتشكك بعض الناس في إمكان تحقيقها في فترة قصيرة، ويروا الكثير من العقبات في طريقها، ويشفقوا من ضخامة هذه العقبات. . أما قبل ربع قرن فقط فقد كان التفكير - لا في قيام كتلة إسلامية ضخمة بل في قيام كتلة عربية صغيرة - مدعاة للسخرية، بل مدعاة للتشكك في عقول من ينادون بها، واعتبارهم جماعة ممن في عقولهم مس، فهم يعيشون في الماضي، ولا أمل فيهم لأنهم مخرفون!.
لا بل إن قيام (رابطة شرقية) لا إسلامية كان يلقي مثل هذا الهزء ومثل هذه السخرية إلى عهد جد قريب. . فها هو ذا رجل واسع الأفق مثل الدكتور طه حسين باشا يؤلف كتابه:(مستقبل الثقافة) في سنة ١٩٣٦ فيسخر فيه من تلك الفكرة سخرية مريرة، ولا يكاد عجبه ينقضي من تلك الجماعة التي كانت تسمى نفسها (الرابطة الشرقية) لأن مصر قطعة من حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا علاقة لها بذلك الشرق البعيد مسلما كان أو غير مسلم. . فالإسلام وغير الإسلام لا يملك أن يقيم رابطة بين مصر وهذه الشعوب!.
كان هذا منذ خمسة عشر عاماً فقط. . فإذا نحن قسنا تلك الوثبة الفكرية والشعورية الهائلة التي تملي علينا أن نتحدث عن الكتلة الإسلامية، أو عن الكتلة الشرقية، فلا يسخر بنا أحد، ولا يضحك منا أحد. بل تنبعث ملايين القلوب تخفق للفكرة، وتنبعث عشرات الأقلام تكتب عنها في كل مكان. وتنبعث مئات الأكف وألوفها تصفق للخطباء. ولا يتحدث متحدث إلا بالسؤال عن الطريق. . إذا تم هذا في خلال خمسة عشر عاماً فقط فهو النصر إذن وهو التوفيق.
ولماذا؟ إن هذا النصر لا ينبع من بلاغة الأقلام التي تكتب، ولا من فصاحة الألسنة التي