للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تخطب. . إنما ينبع أولا وقبل كل شيء من تلبية الفكرة لطبائع الأشياء، ومن مسايرتها لحاجة العصر، ومن تمشيها مع إرادة المستقبل. . وذلك هو الضمان الأكيد.

ستسير الفكرة إذن في طريق التحقيق منذ اليوم، حتى ولو لم يدع إليها قلم متحمس أو لسان متدفق. ستسير لأن الشعوب الإسلامية مضطرة اضطراراً لأن تعمل على تحقيقها كوسيلة من وسائل الخلاص من الاستعمار، ولإنقاذ العالم من حرب ثالثة قريبة في ذات الأوان.

وستسير الفكرة لأنها تلبية للاتجاه العالمي للتكتل. لا باسم القوميات والجنسيات، بل باسم المبادئ والعقائد. والعالم كله يسير في هذا الاتجاه الآن شرقاً وغرباً. فاتجاه المسلمين إذن إلى التكتل تحت عنوان فكرة ومبدأ هو الاتجاه الطبيعي للعالم كله، ومن ثم فهو الاتجاه الطبيعي في هذه الظروف.

إنني أعرف: أن الاستعمار سيقف في الطريق. وأعرف أن الكتلة الشرقية ستقف لنا في الطريق. وأعرف أن الحكام في كثير من أمم العالم الإسلامي سيقفون في الطريق. ولكني أعلم كذلك أن هذه القوى كلها مصطنعة، فهي لا تملك أن تقف طويلا أمام فكرة طبيعية، تستمد قوتها من طبائع الأشياء، ومن حاجة العصر، ومن نداء المستقبل في العالم كله، لا في بقعة منه محدودة.

ومن الظواهر العجيبة أن الفكرة التي تنبع من حاجة العصر واتجاه المستقبل يضطر خصومها - بحكم مصالحهم القريبة وتحت ضغط الضرورات الذاتية - إلى مساعدتها وتقويتها كالذي بربى أسداً يعرف أنه سيفترسه في النهاية، ولكنه يضطر مع هذا إلى تربيته لأنه يتقي به نمرا فاغرا فاه!.

لقد كان الخلفاء هم الذين هزموا ألمانيا في الحرب العظمى الأولى. وكانوا هم الذين ساعدوا على النهوض، وساعدوا معها إيطاليا، وساعدوا معها اليابان أيضاً. . لم يكن شيء من هذا حبا في عيون أحد من هؤلاء. . ولكنها كانت ضرورات المصلحة العاجلة لوقف التيار الشيوعي في العالم.

ثم حطموا هذه الدول الثلاث في الحرب العظمى الثانية. وفي سبيل تحطيمها اضطروا اضطراراً لتقوية روسيا ومساعدتها على الصمود في وجه الغول الجرماني. . وهم على يقين أن عدوهم الأول هو روسيا. ولكنهم ما كادوا يملكون أن يفعلوا غير هذا. . ثم ها هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>