للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العلامة الجليل الأستاذ الإمام الشيخ موفق النيسابورى رحمة الله عليه وهو يلقي درسه على طلابه الذين أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، وهناك في ركن قصي من الأركان جلس ثلاثة من هؤلاء التلاميذ واتجهوا بكليتهم نحو أستاذهم الأكبر، يشع في عيونهم بريق الذكاء الحاد، وتبدو على سيماهم علائم الجد والعزم، هؤلاء هم الأصدقاء الثلاثة الأوفياء: عمر الخيام، نظام الملك، حسن الصباح زعيم الحشاشين فيما بعد. . .

قال حسن الصباح ذات يوم لصديقيه إنه لأمر مستحيل أن نخيب نحن الثلاثة تلاميذه الإمام المبارك في الحياة، قد يلاحق أحدنا، أو حتى كلينا الإخفاق، أما أن يلاحقنا هو كلنا. . فلا! فلنعاهد أنفسنا منذ الآن أمام الله على أن يهرع أي منا لنجدة زميليه إن قدر له الفوز ولم يكتب لهم النجاح فيوافقه الآخران على رأيه فتوقع بذلك الوثيقة التاريخية بين الثلاثة جميعاً.

تدور عجلة الزمان، وإذا بنظام الملك وزير لألب أرسلان السلجوقي، ورجل الدولة الأوحد لابنه ملك شاه من بعده، ثم إذا به أيضاً لا ينسى ما قطعه على نفسه من وعد في صباه فيبعث في طلب كل من حسن الصباح والخيام ويعرض عليهما أن يشاركاه فيما غاز به من نعمة وحصل عليه من سلطان. أما الخيام فيختار إيراداً سنوياً ثابتاً والتدريس في مدرسة نيسابور والانصراف إلى رياضياته وفلكياته، أما حسن الصباح فيؤثر منصباً مهماً في البلاط.

وهكذا تستمر القصة حتى تبلغ نهايتها المحتومة، بمؤامرة دنيئة ينسج خيوطها حسن الماكر لاغتيال صديقه الوفي الكريم نظام الملك ظلما وعدوانا لكي يستخلفه في جاهه وسلطانه، فيفتضح أمرها في اللحظة الأخيرة، ويضطر حسن الصباح إلى الهرب واللجوء إلى جبل قلعة الموت، وهنالك يؤسس لأول مرة في التاريخ المذهب الإسماعيلي المعروف حتى اليوم، وينظم فرقة الفدائيين الذين يبعث بهم من هناك لاغتيال عظماء الإسلام آنذاك. ويشاء الدر الساخر أن يكون بين هؤلاء الذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة نظام الملك نفسه! ذلك الشيخ الوقور والداهية العظيم الذي يذهب ضحية باردة لخنجر مسموم يغمده في صدره أحد هؤلاء المجانين وهو في طريقه إلى نهاوند بمعية الملك ملك شاه.

هذه هي الأسطورة الأولى الذائعة الشائعة المستقرة في الأذهان عن منشأ الخيام وعن أيام

<<  <  ج:
ص:  >  >>